للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: فهابا أن يكلماه، وفي رواية "فهاباه" بزيادة الضمير، والمعنى أنهما غلب عليهما احترامه وتعظيمه من الاعتراض عليه. وأما ذو اليدين فغلب عليه حرصه على تعلم العلم. وفيه دليل على ورعهم، إذ لم يجزموا بوقوع شيء بغير علم، وهابوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن يسألوه، وإنما استفهموه, لأن الزمان زمان النسخ. وقوله: وفي القوم رجل في يده طُول يقال له ذو اليدين، وهو محمول على الحقيقة، ويحتمل أن يكون كناية عن طولها بالعمل أو بالبذل، وجزم ابن قتيبة بأنه كان يعمل بيديه جميعًا، والصواب التفرقة بين ذي اليدين وذي الشمالين، كما يأتي إيضاحه في تعريفه قريبًا.

ومن أدلة قول أبي هريرة في هذا الحديث "صلى بنا" فإنه ظاهر في أن أبا هريرة حضر القصة، وإسلامه متأخر بأكثر من خمس سنين عن موت ذي الشمالين المقتول ببدر، وحمل الطحاويّ قوله "صلى بنا" على المجاز قائلًا: "إن المراد صلى بنا أي صلى بالمسلمين، ويرده رواية مسلم عن أبي هريرة "بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم" وقد جوز بعض الأئمة أن تكون القصة قد وقعت لكل من ذي الشمالين وذي اليدين، وأن أبا هريرة روى الحديثين، فأرسل أحدهما، وهو قصة ذي الشمالين، وشاهد الآخر، وهو قصة ذي اليدين، وهذا محتمل من طريق الجمع. وقيل: يحمل على أن ذا الشمالين كان يقال له أيضًا ذو اليدين، وبالعكس، فكان ذلك سببًا للاشتباه. وقد اتفق معظم أهل الحديث من المصنفين وغيرهم على أن ذا الشمالين غير ذي اليدين. ونص الشافعي على ذلك في اختلاف الحديث، وذهب أكثر إلى أن اسم ذي اليدين خِرباق، بكسر المعجمة وسكون الراء آخره قاف، اعتمادًا على ما عند مسلم في حديث عمران بن حصين بلفظ "فقام إليه رجل يقال له الخِرباق، وكان في يديه طول "وهذا صنيع من يوحد بين حديث أبي هريرة وحديث عمران بن حصين، وهو الراجح في النظر، وإن كان ابن خزيمة ومن تبعه جنحوا إلى التعدد، والحاصل لهم على ذلك الاختلاف الواقع بين السياقين.

ففي حديث أبي هريرة أن السلام وقع من اثنتين، وأنه صلى الله تعالى عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>