الحرمين فقال: إن الدفع لا يشرع للمصلي في هذه الصورة، وتبعه الغزالي، وتعقب ابن الرفعة على الرافعي بما حاصله أن الشاب إنما استوجب من أبي سعيد الدفع، لكونه قصر في التأخر عن الحضور إلى الصلاة حتى وقع الزحام. وما قاله محتمل. لكن لا يدفع الاستدلال، لأن أبا سعيد لم يعتذر بذلك، ولأنه متوقف على أن ذلك وقع قبل صلاة الجمعة أو فيها، مع احتمال أن يكون ذلك وقع بعدها، فلا يتجه ما قاله من التقصير بعدم التبكير، بل كثرة الزحام حينئذ أوجه.
وقوله: فليدفعه، ولمسلم "فليدفع في نحوه" قال القرطبيّ أي بالإِشارة ولطيف المنع. وقوله: فليقاتله، أي يزيد في دفعه الثاني أشد من الأول. قال: وأجمعوا على أنه لا يقاتل بالسلاح، لمخالفة ذلك لقاعدة الإِقبال على الصلاة، والاشتغال بها والخشوع فيها. وأطلق جماعة من الشافعية أنَّ له أنْ يقاتله حقيقة، واستبعد ابن العربى ذلك في القبس وقال: المراد بالمقاتلة المدافعة، وأغرب الباجيّ فقال: يحتمل أن يكون المراد بالمقاتلة اللَّعْن والتعنيف، وتعقب بأنه يستلزم التكلم في الصلاة، وهو بخلاف الفعل اليسير، ويمكن أن يكون أراد أنه يلعنه داعيًا لا مخاطبًا، لكن فعل الصحابي يخالفه، وهو أعلم بالمراد.
وقد رواه الإسماعيلى بلفظ "فإنْ أبى فليجعل يده في صدره ويدفعه" وهو صريح في الدفع باليد. ونقل البيهقيّ عن الشافعيّ أن المراد بالمقاتلة دفع أشد من الدفع الأول، وما مرَّ عن ابن عمر يقتضي أن المقاتلة إنما تشرع إذا تعينت في دفعه. قال في الفتح: وبنحوه صرح أصحابنا فقالوا: يرده بأسهل الوجوه، فإن أبى شد، ولو أدّى إلى قتله، ولو قتله فلا شيء عليه؛ لأن الشارع أباح له مقاتلته، والمقاتلة المباحة لا ضمان فيها. ونقل عياض وغيره أن عندهم خلافًا في وجوب الدية في هذه الحالة، قلت: مشهور مذهب المالكية هو أن المصلي يدفع المار دفعًا خفيفًا لا يشغله، فإن كثر أبطل، ولو دفعه فسقط منه دينار أو انخرق ثوبه ضمن، ولو دفعًا مأذونًا فيه.
قال ابن عرفة ولو مات كانت ديته على العاقلة عند أهل المذهب، وذلك