لأنه لما كان مأذوناً فيه في الجملة، كان كالخطأ، فلذلك لم يقتل به، وكانت الدية على العاقلة، والدفع عندهم مندوب لا غير. وقال النوويّ: لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع، بل صرح أصحابنا بأنه مندوب. قال في الفتح: قد صرح بوجوبه أهل الظاهر، فكأنّ الشيخ لم يراجع كلامهم. فيه، أو لم يعتد بخلافهم.
ونقل ابن بطال وغيره الاتفاق على أنه لا يجوز له المشي من مكان ليدفعه، ولا العمل الكثير في مدافعته، لأن ذلك أشد في الصلاة من المرور، وذهب الجمهور إلى أنه إذا مرّ ولم يدفعه، فإنه لا ينبغي له أن يرده، لأن فيه إعادة للمرور. وروى ابن شَيبة عن ابن مسعود وغيره أن له ذلك، ويمكن حمله على ما إذا رده فامتنع وتمادى. لا حيث يقصر المصلي في الرد. وقوله: فإنما هو شيطان، أي: فعله فعل الشيطان؛ لأنه أبى إلا التشويش على المصلّي، وإطلاق لفظ الشيطان على المار من الإنس سائغ شائع، وقد جاء في القرآن قوله تعالى:{شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ}.
وقال ابن بطال: في هذا الحديث جواز إطلاق لفظ الشيطان على من يفتن في الدين، وأن الحكم للمعاني دون الأسماء، لاستحالة أن يصير المار شيطانًا بمجرد مروره، وهو مبني على أن لفظ الشيطان يطلق حقيقة على الجِنّي، ومجاز على الإنسي. قال في الفتح: وفيه بحث، قلت: لا وجه للبحث فيه مع نص الآية المتقدمة، ويحتمل أن يكون المعنى: وإنما الحاصل له على ذلك الشيطان، وفي رواية للإسماعيليّ "فإن معه الشيطان" ونحوه لمسلم من حديث ابن عمر، بلفظ "فإنّ معه القَرين" واستنبط ابن أبي جَمرة من قوله "فإنما هو شيطان" أن المراد بقوله "فليقاتله" المدافعة اللطيفة لا حقيقة القتال؛ لأن مقاتلة الشيطان إنما هي بالاستعاذة، والتستر عنه بالتسمية ونحوها. وإنما جاز الفعل اليسير في الصلاة للضرورة، فلو قاتله حقيقة المقاتلة لكان أشد على صلاته من المار.
قال: وهل المقاتلة لخلل يقع في صلاة المصلّي من المرور، أو لدفع الإثم