فعدل عن ذكره بالملك أو الإِمرة لأنه معزولٌ بحكم الإِسلام، لكنه لم يخلِهِ من إكرام لمصلحة التألف، وذكر المَدَائِنيُّ أن القارىء لما قرأ من محمد رسول الله غضب أخو هرقل، واجتذب الكتاب، فقال له هِرَقْل: مالك؟ فقال: لأنه بَدَأ بنفسه، وسمّاك صاحب الروم، قال: إنك لضعيف الرّأي، أتريد أن أرمي بكتاب قبل أن أعلم ما فيه، لئن كان رسول الله إنَّه لأحق أن يبدأ بنفسه، ولقًد صدق أنا صاحب الروم، والله مالكي ومالكه.
وقوله:"سلامٌ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدى" سلامٌ بالتنكير، وعند المؤلف في الاستئذان بالتعريف، والهدى: الرشاد، وهذا كقول موسى وهارون لفرعون {وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى}[طه: ٤٧] والظاهر أنه من جملة ما أُمر به، أي: يقولاه، وليس فيه ابتداء الكافر بالسلام، لأن معناه سلم من عذاب الله من أسلم، وهو لم يسلم، فليس ممن اتَّبع الهُدى، فاللفظ ليس مرادًا به التحية إلَّا على من اتَّبع الهُدى، فهو خارج منه.
وقوله:"أما بَعْدُ" مبني على الضم لقطعه عن الإِضافة المنوية، وأما فيها معنى الشرط، وتستعمل لتفصيل ما يذكر بعدها غالبًا، وتأتي مستأنفة لا لتفصيل كما هنا، وللتفصيل والتقرير، وهي هنا للفصل بين كلامين، واختلف في أول من قالها، فقيل: داود، وإنها هي المراد بقوله:{وَفَصْلَ الْخِطَابِ}[ص: ٢٠] وقيل: يَعْرُب بن قَحْطان، وقيل: كَعْب بن لُؤَيّ، وقيل: قُسُّ بن سَاعِدَة، وقيل: سحبان، وفي غرائب الدَّارَقُطني لمالك: إن أول من قالها يعقوب عليه السلام، فإن ثبت، وقلنا: إن قَحْطان من ذرية إسماعيل فيَعْقُوب أول من قالها مطلقًا، وإن قُلنا: إن قحطان قبلَ إبراهيم فَيَعْرب أول من قالها.
وقوله:"فإني أدْعُوك بِدِعايةِ الإِسلام" بكسر الدال، ولمسلم والمؤلف في الجهاد:"بداعية الإِسلام" أي: بالكلمة الداعية إلى الإِسلام، وهي: الشهادتان، والباء بمعنى إلى.