حيث لا يمكن الجمع بين الروايات، وما قاله ابن القطّان إنما هو إظهار لإمكان الجمع بين الروايتين، فليتأمل.
وقوله: بين يدي المصلي، أي أمامه بالقرب منه، وعبر باليدين لكون أكثر الشغل يقع بهما، وقد مرَّ ما في تحديد ذلك من الخلاف. وقوله: ماذا عليه، زاد الكشميهنيّ "من الإثم" وهذه الزيادة شاذة ليست في شيء من الروايات عن مالك، ولا في السنن، ولا في المسانيد، ولا في المستخرجات، لكن في مصنف ابن أبي شيبة "يعني من الإثم" فيحتمل أن تكون ذكرت في حاشية على البخاري، فظنها الكشميهنيّ أصلا وقد قال النوويّ في شرح المهذَّب: رويناها في الأربعين لعبد القادر الهرويّ "ماذا عليه من الإثم".
وقوله: لكان أن يقف أربعينَ، يعني أن المار لو علم مقدار الإثم الذي يلحقه من مروره بين يَدَي المصلي، لاختار أن يقف المدة المذكورة، حتى لا يلحقه ذلك الإثم. وقال الكرمانيّ: جواب ليس هو المذكور، بل التقدير: لو يعلم ما عليه لوقف أربعين، ولو وقف أربعين لكان خيرًا له، وما قاله ليس بمتعين. قال: وأبهم المعدود تفخيمًا للأمر وتعظيمًا له. قال في الفتح: ظاهر السياق أنه عيّن المعدود، ولكن شك الراوي فيه، وفي ابن ماجه وابن حبّان عن أبي هريرة "لكان أن يقف مئة عام خير له من الخطوة التي خطاها" وهذا يُشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر، لا لخصوص عدد معين.
وجنح الطحاويُ إلى أن التقييد بالمئة وقع بعد التقييد بالأربعين، زيادة في تعظيم الأمر على المار، لأنهما لم يقعا معًا، إذ المئة أكثر من الأربعين، والمقام مقام زجر وتخويف، فلا يناسب أن يتقدم ذكر المئة على الأربعين، بل المناسب أن يتأخر. ومميز الأربعين، إن كان هو السنة ثبت المدعى أوما دونها فمن باب الأولى، وفي مسند البزار عن ابن عُيينة "لكان أن يقف أربعين خريفًا" وجعل ابن القطّان الجزم في طريق ابن عُيينة، والشك في غيره، والأعلى على التعدد. ورواه أحمد وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور، وغيرهم من الحفاظ، عن ابن عيينة عن أبي النضر، على الشك أيضًا، وزاد فيه "أو ساعة" فيبعد أن يكون