الجزم والشك وقعا معًا من راوٍ واحدة، إلا أنْ يقال: لعله تذكر في الحال فجزم، وفيه بُعد.
وأبدى الكرمانيّ لتخصيص الأربعين بالذكر حكمتين: الأولى كون الأربعة أصل جمع الأعداد، فلما أريد التكثير ضربت في عشرة، والثانية كون كمال أطوار الإنسان بأربعين، كالنطفة والعلقة والمضغة، وكذا بلوغ الأَشُد، ويحتمل غير ذلك. درقوله: خيرًا له، بالنصب في رواية عليّ أنه خبر كان، ولبعضهم خير بالرفع، وهي رواية التِّرمذيّ، وأعربها ابن العربيّ على أنها اسم كان، وأشار إلى تسويغ الابتدا بالنكرة، لكونها موصوفة، ويحتمل أن يقال: اسمها ضمير الشأن، والجملة خبرها.
وقوله: من أن يمر بين يديه، أي المصلي، لأن عذاب الدنيا، وإن عَظُم، يسيرٌ. وقوله: قال أبو النضر، وهو كلام مالك، وليس من تعليق البخاريّ، لأنه ثابت في الموطأ في جميع الطرق، وكذا ثبت في رواية الثَّوري وابن عُيينة. قال النوويّ: فيه دليل على تحريم المرور، فإن معنى الحديث النهي الأكيد والوعيد الشديد على ذلك. ومقتضى ذلك أن يعد في الكبائر. وفيه أخذ القرين عن قرينه ما فاته، أو استثباته فيما سمع معه، وفيه الاعتماد على خبر الواحد؛ لأن زيدًا اقتصر على النزول مع القدرة على العلو، واكتفاء رسوله المذكور.
وفيه استعمال لو في باب الوعيد، ولا يدخل في ذلك في النهي، لأن محل النهي أن يُشعر بما يعاند المقدور، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب القدر. واستنبط ابن بطال من قوله "لو يعلم" أن الإثم يختص بمن يعلم بالنهي، وارتكبه، وأخذه من ذلك فيه بعد، ولكنه معروف من أدلة أخرى. وظاهر الحديث أن الوعيد المذكور يختص بمن مرَّ، لا بمن وقف عامدًا مثلًا بين يدي المصلي، أو قعد أو رقد، لكنْ إن كانت العلة هي التشويش على المصلي فهو في معنى المار. قلت: مذهب مالك تناول المرور لكل مشوّش من تناول شيء بين يديه أو كلام نحو ذلك، وظاهره أيضًا عموم النهي في كل مصلٍ. وخصه بعض المالكية بالإمام والفَذّ، لأن المأموم لا يضره من مرَّ بين يديه، لأن سترة