متظاهرة على ذلك، وإنما فعل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك لبيان الجواز.
وقال الفاكهانيّ: وكان السر في حمله أمامة في الصلاة دفعًا لما كانت العرب تألفه من كراهة البنات وحملهنّ، فخالفهم في ذلك حتى في الصلاة، للمبالغة في ردعهم، والبيان بالفعل قد يكون أقوى من القول. قلت: ظاهر ما مرَّ من النقول يدل على أن العمل الكثير المفسد للصلاة أقل عند المالكية من غيرهم من أهل المذاهب، والذي تدل عليه نصوص المالكية وغيرهم من أهل المذاهب أن العمل في الصلاة يغتفر منه عند المالكية ما لا يغتفر عند غيرهم، أو مساوون لهم وها أنا أذكر لك نصوص المذاهب كلها.
فالعمل الكثير عند المالكية موكول إلى العُرف، والصحيح في تحديده عندهم هو ما يتخيل للناظر إعراضه عن الصلاة، والعمل الكثير المفسد للصلاة عند أبي حنيفة هو ما قاله صاحب "البدائع"، فإنه قال: الكثير الذي يفسد الصلاة هو ما يحتاج فيه إلى استعمال اليدين، والقليل ما لا يحتاج فيه إلى ذلك، فإذا أخذ قوسًا ورمى به فسدت صلاته، وكذا لو حملت امرأة صبيًا فأرضعته، لوجود العمل الكثير. وأما حمل الصبيّ بدون الإرضاع فلا يفسدها. قاله العيني. وعند الشافعية، قال النووي في "شرح المهذب": اختلفوا في ضبط القليل والكثير على أربعة أوجه:
أحدها: القليل ما لا يسع زمانه فعل ركعة، والكثير ما يسعها. حكاه الرافعي، وهو ضعيف أو غلط.
الثاني: ما مرَّ عن الحنفية.
والثالث: ما مرَّ عن المالكية، وضعفوه بأن من رآه يحمل صبيًا أو يقتل حية أو عقربًا أو نحو ذلك يظن أنه ليس في صلاة، وهذا القدر لا يبطلها بلا خلاف، قلت: هذا الذي قالوا إنه لا يبطلها هو كذلك عند المالكية لا يبطلها، فيرد على ما جعلوه ضابطًا للكثرة.