اليهود، وقيل: نزلت مرتين، وقد قيل: إن في هذه القصة دليلًا على جواز قراءة الجُنُب للآية والآيتين، وإرسال بعض القرآن إلى أرض العدو، والمأخذ صحيح إذا وقع احتياج إلى ذلك كالإِبلاغ والإِنذار كما في هذه القصة، أو الاستدلال، أو التعوذ، وأما الجواز مطلقًا حيث لا ضرورة فلا يتجه، وقد اشتملت هذه الجمل القليلة التي تضمنها هذا الكتاب على الأمر بقوله:"أَسْلِمْ" والترغيب بقوله: "تَسْلَمْ""وَيُؤتِك" والزجر بقوله "فإن توليت" والترهيب بقوله: "فإنَّ عليك" والدلالة بقوله: "يا أهل الكتاب" وفي هذا من البلاغة ما لا يخفى، وكيف لا وهو كلام من أُوتي جوامع الكلم؟.
وقد ذكر السُّهَيْلِي أنه بلغه أن هِرَقْل وضع الكتاب في قصبةٍ من ذهب تعظيمًا له، وأنهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طُلَيْطُلَة، ثم كان عند سبطه، وكان عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين، اجتمع بذلك الملك، فأخرج له الكتاب، فلما رآه استعبر، وسأله أن يمكِّنَهُ من تقبيله، فامتنع، وحُكِي أن ملك الفرنج في دولة الملك المنصور قلاوون الصالحي أخرج لسيف الدين قِلجْ صندوقا مصفّحا بالذهب، واستخرج منه مقلمة من ذهب، فأخرج منها كتابًا زالت أكثر حروفه، وقد التصقت عليه قطعة حرير، فقال: هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر، ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا، فنحن نحفظه غايةَ الحفظ، ونُعَظِّمه ونكتمُه عن النصارى ليدوم الملك فينا.
ويؤيد هذا ما في المسند من حديث سعيد بن أبي راشد التَّنُوخي رسول هِرَقْل، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض عليه الإِسلام فامتنع، فقال له: يا أخا تَنُوخ، إني كتبت إلى ملككم بصحيفة، فأمسِكْهَا، فلن يزال الناس يجدون منه بأسًا ما دام في العيش خير، وكذا ما أخرجه أبو عبيد، عن عُمَير بن إسحاق، قال: كتب النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، أما كسرى فلما قرأ الكتاب مزقه، وأما قيصر فلما قرأ الكتاب طواه، ثم رفعه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما هؤلاء فَيُمَزَّقُون، وأما هؤلاء