فقيل: حتى يصير الظل ذراعًا بعد ظل الزوال، وقيل: ربع قامة، وقيل: نصفها، وقيل: ثلثها. وقال الباجيّ: نحو الذراعين بعد ظل الزوال. ابن حبيب: فوقهما بيسير، ابن عبد الحكم: أن لا يخرجها عن وقتها. ونزَّلها المازريّ على اختلاف الأوقات، والجاري على القواعد أنه يختلف باختلاف الأحوال، لكن يشترط أن لا يمتد إلى آخر الوقت.
وأما ما عند المصنف في الأذان عن شعبة بلفظ:"حتى ساوى الظلُّ التلول"، فظاهره يقتضي أنه أخرها حتى صار ظل كل شيء مثله، ويحتمل أن يراد بهذه المساواة ظهور الظل بجنب التل بعد أن لم يكن ظاهرًا، فساواه في الظهور لا في المقدار، أو يقال: لعل ذلك في السفر، فلعله أخر الظهر حتى يجمعها مع العصر، وخص بعضهم الإبراد بالجماعة، فأما المنفرد فالتعجيل في حقه أفضل، وهذا مشهور مذهب المالكية، وبه قال الشافعيّ أيضًا، لكن خصه بالبلد الحار، وقيد الجماعة بما إذا كانوا ينتابون مسجدًا من بُعد، فلو كانوا مجتمعين أو كانوا يمشون في كِنّ، فالأفضل في حقهم التعجيل وعند أبي حنيفة وأحمد وإسحاق والكوفيين يؤخر حتى يذهب الحر من غير تخصيص، ولا قيد، وكذلك المالكية لم يقيدوا بهذا.
واستدل التِّرمذيّ على عدم التخصيص بحديث أبي ذَرٍّ الآتي بعد هذا، لأن في روايته أنهم كانوا في سفر، وتأتي هذه الرواية قريبًا عند المصنف. قال: فلو كان على ما ذهب إليه الشافعي لم يأمر بالإِبراد، ولاجتماعهم في السفر، وكانوا لا يحتاجون إلى أن ينتابوا من البعد. قال الترمذي: والأول أَوْلى للاتباع، وتعقبه الكرمانيّ بأن العادة في العسكر الكثير تفرقتهم في أطراف المنزل للتخفيف، وطلب الرعي، فلا نسلم اجتماعهم في تلك الحالة، وأيضًا فلم تجر عادتهم باتخاذ خباء كبير تجمعهم، بل كانوا يتفرقون في ظلال الشجر، وليس هناك كِنّ يمشون فيه، فليس في سياق الحديث ما يخالف ما قاله الشافعيّ، وغايته أنه استنبط من النص العام، وهو الأمر بالإبراد معنى يخصه، وذلك جائز على الأصح في الأصول، لكنه مبني على أن العلة في ذلك تَأَذِّيهم بالحر في