طريقهم، وللمتمسك بعمومه أن يقول: العلة فيه تأذيهم بحر الرمضاء في جِباههم حالة السجود، ويؤيده حديث أنس:"كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالظهائر، سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر" رواه أبو عَوانة في صحيحه بهذا اللفظ، وأصله في مسلم. وفي حديث أنس أيضًا في الصحيحين نحوه. ويأتي قريبًا.
والجواب عن ذلك أن العلة الأُولى أظهر، فإن الإبراد لا يزيل الحر من الأرض، وذهب بعضهم إلى أن تعجيل الظهر أفضل مطلقًا. وقالوا: معنى أبردوا: صلوا في أول الوقت أخذًا من برد النهار، وهو أوله، وهذا تأويل بعيد، ويرده قوله:"فإن شدة الحر من فيح جهنم" إذ التعليل بذلك يدل على أن المطلوب التأخير. وحديث أبي ذَرٍّ الآتي قريبًا صريح في ذلك، حيث قال: انتظر، والحامل لهم على ذلك حديث خبَّاب:"شكونا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأَكُفِّنا، فلم يَشْكُنا"، أي: بضم الكاف، يعني: فلم يُزِل شكوانا وهو حديث صحيح رواه مسلم.
وتمسكوا بالأحاديث الدالة على فضيلة أول الوقت، وبأن الصلاة حينئذ أكثر مشقة، فتكون أفضل. والجواب عن حديث خبَّاب أنه محمول على أنهم طلبوا تأخيرًا زائدًا عن وقت الإبراد، وهو زوال حر الرمضاء، وذلك يستلزم خروج الوقت، فلذلك لم يجبهم. قال المازريّ، وهذا هو أحسن الأجوية. وقيل: إنه منسوخ بأحاديث الإبراد، فإنها متأخرة عنه، واستدل الطحاويّ لذلك بحديث المغيرة بن شعبة. قال:"كنا نصلي مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الظهر بالهاجرة، ثم قال لنا: "أبردوا بالصلاة ... " الحديث، وهو حديث رجاله ثقات، رواه أحمد وابن ماجه، وصححه ابن حبان، ونقل الخلاّل عن أحمد أنه قال: هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
وجمع بعضهم بين الحديثين بأن الإبراد رخصة، والتعجيل أفضل. وهو قول من قال إنه أمر إرشاد، وعكسه بعضهم فقال: الإبراد أفضل، وحديث خبَّاب يدل على الجواز، وهو الصارف للامر عن الوجوب، وفيه نظر؛ لأن ظاهره