وقوله:"فسجدوا له إما حقيقة على عادتهم لملوكهم، أو قبلوا الأرض بين يديه، لأن ذلك ربما كان كهيئة السجود.
وقوله: "فكان ذلك آخر شَأن هِرَقل" بنصب آخر خبر كان، وكون هذا آخر شأنه، يريد: فيما يتعلق بهذه القصة المتعلقة بدعائه إلى الإِيمان خاصة، أو أنه أطلق الآخِرِيَّة بالنسبة إلى ما في علمه، وهذا أوجه، لأن هِرَقْل وقعت له قصص بعد ذلك، من تجهيزه الجيوش إلى مُؤْتَةَ وتجهيزه الجيوش إلى تَبُوكَ، ومكاتبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثانيًا، وإرساله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذهب فقسمه بين أصحابه.
وروى ابن إسحاق أن هِرَقل لما أراد الخروج من الشام إلى القُسْطَنْطِينيَّة عَرَضَ على الروم أمورًا: إما الإِسلام، وإما الجِزْية، وإما أن يصالح النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ويبْقي لهم ما دون الدَّرْب، فانطلق حتى إذا أشرف على الدَّرْب، استقبل أرْض الشّام، ثم قال: السلام عليك أرضَ سورية، -يعني: الشام- تسليم المودِّع ثم ركض، حتى دخل القُسْطَنطينيّة.
واختلف الأخْباريون هل هو الذي حاربه المسلمون في زمن أبي بكر وعُمر أو ابنه؟ والأظهر أنه هو، وهذا كله يَدُلُّ ظاهره على استمراره على الكفر، لكن يُحْتَمَل مع ذلك أنه كان يُضْمِر الإِيمان، ويفعل هذه المعاصي مراعاة لمملكته، وخوفًا من أن يقتله قومه، إلا أن في مسند أحمد أنه كتب من تبوك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: إني مُسْلمٌ فقال عليه الصلاة والسلام: "بَلْ هوَ على نَصْرَانِيَّتِه".
ولما كان أمر هِرَقل في شأن الإِيمان فيه إبهام، ختم البخاري هذا الباب الذي استفتحه بحديث الأعمال بالنيات بحديثه، كأنه قال: إن صدقت نيته انتفع بها في الجملة، وإلا فقد خاب وخسر، فظهرت مناسبة إيراد قصة ابن النَّاطور في بدء الوحي، لمناسبتها لحديث الأعمال المُصَدَّر الباب به، وفي آخر لفظ من هذه القصة براعة الاختتام.
ومناسبة حديث أبي سفيان في قصة هِرَقل لبدء الوحي هي أنها