تضمنت كيفية حال الناس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الابتداء، ولأن الآية المكتوبة إلى هِرَقل للدعاء إلى الإِسلام ملتئمة مع الآية التي في الترجمة، وهو قوله تعالى:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ}[النساء:١٦٣] الآية، وقوله تعالى:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} الآية [الشورى: ١٣] فَبَان أنه أوحى إليهم كلهم أَن أقيموا الدين، وهو معنى قوله تعالى:{سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}.
وفي الحديث أن السنة في المكاتبات أن يبدأ بنفسه، فيقول: من فلان إلى فلان، وهو قول الأكثرين، وكذا في العنوان أيضًا يكتب كذلك، واحتجوا بهذا الحديث، وبما أخرجه أبو داوود، عن العلاء بن الحَضْرَمي، وكان عامل النبي - صلى الله عليه وسلم - على البَحْرَيْن، وكان إذا كتب إليه بَدَأ بنفسه، وفي لفظ: بدأ باسمه. وقال حَمّاد بن زَيْد: كان الناس يكتبون من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان، أما بعد. قال بعضهم: وهو إجماع الصحابة. وقال أبو جَعْفَرِ النَّحّاس: وهذا هو الصحيح، وقال غيره: وكره جماعة من السَّلف خلافَه، وهو أن يكتب أولًا باسم المكتوب إليه، ورخص فيه بعضُهم، وقال: يبدأ باسم المكتوب إليه. رُوِي أن زيد بن ثابت كتب إلى معاوية، فبدأ باسم معاوية، وعن محمد بن الحَنَفِيَّة، وأيوب السَّخْتِيَانِي أنهما قالا: لا بأس بذلك، وقيل: يقدم الأب، ولا يبدأ ولد باسمه على والده، والكبير السن كذلك، وهذا يَرُدُّهُ حديث العلاء لكتابته إلى أفْضَلِ البشر، وحقه أعظم من حق الوالد، وغيره.
وفيه التَّوقّي في المكاتبة، واستعمال عدم الإِفراط.
وفيه دَليل لمن قال بجواز معاملة الكفّار بالدراهم المنقوش فيها اسم الله تعالى للضّرورة، وإن كان عن مالك الكراهة، لأن ما في هذا الكتاب أكثر مما في هذا المنقوش من ذكر الله تعالى.
وفيه الوجوب بالعمل بخبر الواحد، وإلا لم يكن لبعثه مع دِحْيَةَ فائدة مع غيره من الأحاديث الدالة عليه.