وناقشه أبو حيان زاعمًا أن هذه الطريق اختصرها الراوي، واحتج لذلك بما رواه البزار من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ:"إن لله ملائكةً يتعاقبون فيكم: ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار ... " الحديث.
وقد أخرجه البخاري في بدء الخلق عن أبي الزناد بلفظ:"الملائكة يتعاقبون فيكم" فاختلف فيه على أبي الزناد، فالظاهر أنه كان تارة يذكر هكذا، وتارة هكذا، فيقوى بحديث أبي حيان، ويؤيد ذلك أن غير الأعرج من أصحاب أبي هريرة قد رووه تامًا، فأخرجه أحمد ومسلم عن هَمّام بن مُنبِّه، عن أبي هريرة مثل رواية البخاريّ بحذف "إن" من أوله، وأخرجه ابن خُزيمة والسَّرّاج عن أبي صالح، عن أبي هريرة، بلفظ:"إن لله ملائكة يتعاقبون"، وهذه هي التي أخرجها البزار. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" بإسناد صحيح، عن أبي موسى، عن أبي هريرة، بلفظ:"إن الملائكة فيكم يتعاقبون"، فإذا عرف هذا، فالعزو إلى الطريق التي تتحد مع الطريق التي وقع فيها القول أولى من طريق مغاير لها، فليعزُ ذلك إلى طريق البخاريّ والنَّسائيّ عن أبي الزناد، لا إلى البزار وغيره، مما لا يتحد مع الطريق المذكورة في الباب.
وقوله:"فيكم"، أي: المصلين أو المؤمنين مطلقًا. والأول أولى، لأن الفضيلة المذكورة للمصلين. وقوله:"ملائكة" بالتنكير في الموضعين، ليفيد أن الثانية غير الأُولى، كما قيل في قوله تعالى:{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}، إنه استئناف وعده تعالى، بأن العسر مشفوع بيسر آخر، لقوله:"لن يغلب عسر يسرين" فإن العسر معروف فلا يتعدد سواء كان للعهد أو للجنس، واليسر منكر فيحتمل أن يراد بالثاني يسر ما، يغاير ما أُريد بالأول.
والمراد بالملائكة: الحَفَظَة، نقله عياض وغيره عن الجمهور، وتردد ابن بزيزة. وقال القرطبيّ: الأظهر عندي أنهم غيرهم، ويقويه أنه لم ينقل أن الحفظة يفارقون العبد، ولا أن حفظة الليل غير حفظة النهار، وبأنهم لو كانوا هم الحفظة، لم يقع الاكتفاء في السؤال منهم عن حالة الترك دون غيرها، في قوله:"كيف تركتم عبادي؟ ". وقوله:"ويجتمعون"، قال ابن المنير: التعاقب