مغاير للاجتماع، وأجيب بأن تعاقب الصنفين لا يمنع اجتماعهما، لأن التعاقب أعم من أن يكون معه اجتماع كهذا، أو لا يكون معه اجتماع، كتعاقب الضدَّين، أو المراد حضورهم معهم الصلاة في الجماعة، فينزل على حالين. وتخصيص اجتماعهم في الورود والصدور بأوقات العبادة تكرمه للمؤمنين، ولطف بهم، لتكون شهادتهم بأحسن الثناء وأطيب الذكر، ولم يجعل اجتماعهم معهم في حال خلواتهم بلذاتهم، وانهماكهم في شهواتهم، وفي هذا شيء على قول من رجح أنهم الحفظة، إذ لا شك أن الذين يصعدون كانوا مقيمين عندهم، مشاهدين لأعمالهم في جميع الأوقات، فالأَوْلى أن يقال: الحكمة في كونه تعالى لا يسألهم عن الحالة التي تركوهم عليها ما ذكر، ويحتمل أن يقال: إن الله تعالى يستر عنهم ما يعملونه فيما بين الوقتين، لكنه بناء على أنهم غير الحفظة. وفيه إشارة إلى الحديث الأخر:"الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما" فمن ثَمّ وقع السؤال من كل طائفة عن آخر شيء فارقهم عليه.
وقوله:"ثم يعرج الذين باتوا فيكم"، العروج الصعود، واستدل به بعض الحنفية على استحباب تأخير وقت العصر، ليقع عروج الملائكة إذا فرغ منها آخر النهار، وتعقب بأن ذلك غير لازم، إذ ليس في الحديث ما يقتضي أنهم لا يصعدون إلا ساعة الفراغ من الصلاة، بل جائز أن تفرغ الصلاة ويتأخروا بعد ذلك إلى آخر النهار، ولا مانع أيضًا من أن تصعد ملائكة النهار وبعض النهار باق، وتقيم ملائكة الليل، ولا يرد على ذلك وصفهم بالمبيت بقوله:"باتوا فيكم" لأن اسم المبيت صادق عليهم ولو تقدمت إقامتَهم بالليل إقامتُهم قطعة من النهار.
واختلف في سبب الاقتصار على سؤال الذين باتوا دون الذين ظلوا، فقيل: هو من باب الاكتفاء بذكر أحد المثلين عن الآخر، كقوله تعالى:{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}، أي: وإن لم تنفع. وقوله تعالى:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}، أي: والبرد. قاله ابن التين وغيره. وقيل: الحكمة في الاقتصار على ذلك، أن حكم طرفَيْ النهار يُعلم من حكم طرفي الليل، فلو ذكره لكان تكرارًا،