للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "حتى إذا انتصف النهار عجزوا". قال الداوديّ: هذا مشكل، لأنه إن كان المراد من مات منهم مسلمًا، فلا يوصف بالعجز، لأنه عمل ما أمر به، وإن كان من مات بعد التبديل والتغيير، فكيف يعطى القيراط من حَبِط عمله بكفره؟ وأجيب بأن المراد من مات منهم مسلمًا قبل التبديل والتغيير، وعبر بالعجز لكونهم لم يستوفوا عمل النهار كله، وإن كانوا قد استوفوا عمل ما قدر لهم. فقوله: "عجزوا"، أي: عن إحراز الأجر الثاني دون الأول، لكن من أدرك منهم النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم، وآمن به، أُعطي الأجر مرتين، كما مرَّ في كتاب العلم.

وقوله: "قيراطًا قِيراطًا"، كرر قيراطًا ليدل على تقسيم القراريط على العمال، لأن العرب إذا أرادت تقسيم الشيء على متعدد كررته، كما تقول: اقسم هذا المال على بني فلان درهمًا درهمًا، أي: لكل واحد درهم، والمراد بالقيراط النصيب، وهو في الأصل نصف دانق، والدانق سدس درهم.

وقوله: "ونحن كنا أكثر عملًا"، تمسك به بعض الحنفية كأبي زيد في كتاب "الأسرار"، إلى أن وقت العصر من مصير ظل كل شيء مثليه، لأنه لو كان من مصير ظل كل شيء مثله لكان مساويًا لوقت الظهر، وقد قالوا: كنا أكثر عملًا، فدل على أنه دون وقت الظهر. وأجيب بمنع المساواة، وذلك معلوم عند أهل العلم بهذا الفن، وهو أن المدة التي بين الظهر والعصر أطول من المدة التي بين العصر والمغرب.

وأما ما نقله بعض الحنابلة من الإجماع على أن وقت العصر ربع النهار، فمحمول على التقريب، إذا فرعنا على أن أول وقت العصر مصير الظل مثله، كما قال الجمهور. وأما على قول الحنفية، فالذي من الظهر إلى العصر أطول قطعًا، وعلى التنزل لا يلزم من التمثيل والتشبيه التسوية من كل جهة، وبأن الخبر إذا ورد في معنى مقصود لا تؤخذ منه المعارضة، لما ورد في ذلك المعنى بعينه مقصودًا في أمر آخر، وبأنه ليس فيه نص على أن كلاًّ من الطائفتين أكثر عملًا، لصدق أن كلهما مجتمعين أكثر عملًا من المسلمين، وباحتمال أن يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>