أطلق ذلك تغليبًا، وباحتمال أن يكون ذلك قول اليهود خاصة، فيندفع الاعتراض من أصله كما جزم به بعضهم، وتكون نسبة ذلك للجميع في الظاهر غير مرادةٍ، بل هو عمومٌ أُريد به الخصوص، أُطلق ذلك تغليبًا.
ويؤيده ما وقع في التوحيد بلفظ:"فقال أهل التوراة"، وبأنه لا يلزم من كونهم أكثر عملًا أن يكونوا أكثر زمانًا، لاحتمال كون العمل في زمنهم كان أشق. ويؤيده قوله تعالى:{رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}، ومما يؤيد كون المراد كثرة العمل وقلته، لا بالنسبة إلى طول الزمان وقصره، كونُ أهلِ الأخبار متفقين على أن المدة التي بين عيسى ونبينا عليهما الصلاة والسلام، دون المدة التي بين نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم وقيام الساعة، لأن جمهور أهل المعرفة بالأخبار قالوا: إن مدة الفترة بين عيسى ونبينا عليهما الصلاة والسلام ست مئة، وثبت ذلك في صحيح البخاريّ عن سلمان. وقيل إنها دون ذلك، فذكر الحاكم في "الإكليل" أنها مئة وخمس وعشرون سنة، وذُكر أنها أربع مئة سنة. وقيل: خمس مئة وأربعون سنة، وعن الضحاك أربع مئة وبضع وثلاثون سنة.
وهذه مدة المسلمين المشاهدة أكثر من ذلك، فلو تمسكنا بأن المراد التمثيل بطول الزمانين وقصرهما، للزم أن يكون وقت العصر أطول من وقت الظهر، ولا قائل به، فدل على أن المراد كثرة العمل وقلته، ويحتمل أن يكون كل من الفريقين قال ذلك، أما اليهود؛ فلأنهم أطول زمانًا، فيستلزم أن يكونوا أكثر عملًا، وأما النصارى، فلأنهم وزنوا كثرة أتباعهم بكثرة زمن اليهود، لأن النصارى آمنوا بموسى وعيسى جميعًا، عليهما الصلاة والسلام.
ويحتمل أن تكون نسبة ذلك إليهم على سبيل التوزيع، فالقائل: نحن أكثر عملًا، اليهودُ، والقائلُ في الرواية الآتية في الإجارة: نحن أقل أجرًا، النصارى. وقوله: هل ظلمتكم من أجركم من شيء، في رواية الإجارة الآتية:"هل نقصتكم من حقكم"، وأطلق لفظ الحق في هذه الرواية لقصد المماثلة، وإلا فالكل من فضل الله تعالى. وقوله:"فذلك فضلي أوتيه من أشاء"، فيه حجة