فحدث بهما في وقتين، وجمع بينهما ابن التين باحتمال أن يكونوا غضبوا أولًا، فقالوا ما قالوا، طلبًا للزيادة، فلما لم يُعطوا قدرًا زائدًا تركوا، فقالوا: لك ما عملنا باطل، وفيه مع بُعده مخالفة لصريح ما وقع في رواية الزُّهريّ هنا وفي التوحيد، ففيها قالوا: ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين، وأعطيتنا قيراطًا قيراطًا، ونحن كنا أكثر عملًا، ففيه التصريح بأنهم أُعطوا ذلك إلا أن يُحمَلَ قولهم:"أعطيتنا": أمرت لنا، أو وعدتنا، ولا يلزم من ذلك أنهم أخذوه، ولا يخفى أن الجمع بكونهما قضيتين أوضح.
وظاهر المثل الذي في حديث أبي موسى أن الله تعالى قال لليهود: آمنوا بي وبرسلي إلى يوم القيامة، فآمنوا بموسى إلى أن بعث عيسى، فكفروا به. وذلك قدر نصف المدة التي من بعث موسى إلى قيام الساعة. فقولهم: لا حاجة لنا إلى أجرك إشارة إلى أنهم كفروا وتولوا، واستغنى الله عنهم. وهذا من إطلاق القول وإرادة لازمه، لأن لازمه تَرْك العمل المعبر به عن ترك الإيمان.
وقولهم:"وما عملنا باطل"، في الرواية الآتية في الإجارة إشارة إلى احباط عملهم بكفرهم بعيسى، إذ لا ينفعهم الإيمان بموسى وحده بعد بعثة عيسى، وكذلك القول في النصارى، إلا أن فيه إشارة إلى أن مدتهم كانت قدر نصف المدة، فاقتصروا على نحو الربع من جميع النهار. وقوله:"ولكم الذي شرطت"، زاد في رواية الإسماعيليّ:"ولكم الذي شرطت لهؤلاء من الأَجر"، يعني الذين قبلهم، وفي رواية الإجارة زيادة:"فإن ما بقي من النهار شيء يسير"، أي: بالنسبة لما مضى منه، والمراد ما بقي من الدنيا، وفيه إشارة الى قصر المدة التي بقيت من الدنيا، وسيأتي بعض الكلام على ذلك قريبًا إن شاء الله تعالى.
وقوله:"واستكملوا أجر الفريقين، أي: بإيمانهم بالأنبياء الثلاثة، وفي رواية الإجارة زيادة: "فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من النور"، وفي رواية الإسماعيليّ: "فذلك مثل المسلمين قَبِلوا هُدى الله تعالى وما جاء به رسوله، ومثل اليهود والنصارى تركوا ما أمرهم الله به"، قال المهلب: أورد البخاريّ