حديث ابن عمر وحديث أبي موسى في هذه الترجمة، ليدل على أنه قد يستحق بعمل البعض أجر الكل، مثل الذي أعطى من العصر الى الليل أجر النهار كله، فهو نظير من يعطى أجر الصلاة كلها، ولو لم يدرك إلا ركعة، وبهذا تظهر مطابقة الحديثين للترجمة، وتكملة ما ذكر هي أن يقال: إن فضل الله الذي أقام به عمل ربع النهار مقام عمل النهار كله، هو الذي اقتضى أن يقوم إدراك الركعة الواحدة من الصلاة الرباعية، التي هي العصر، مقام إدراك الأربع في الوقت، فاشتركا فى كون كل منهما ربع العمل، وحصل بهذا التقرير جواب من استشكل وقوع الجميع أداءً، مع أن الأكثر إنما وقع خارج الوقت، فيقال: في هذا ما أجيب به أهل الكتاب: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}، وكلام المهلب واضح لا استبعاد فيه.
وقال ابن المنير: يستنبط من هذا الحديث أن وقت العمل ممتد الى غروب الشمس، وأقرب الأعمال المشهورة بهذا الوقت صلاة العصر، فهو من قبيل الإشارة لا من صريح العبارة، فإن الحديث مثال، وليس المراد العمل الخاص بهذا الوقت، بل هو شامل لسائر الأعمال من الطاعات في بقية الإمهال إلى قيام الساعة.
وقال إمام الحرمين: إن الأحكام لا تؤخذ من الأحاديث التي تأتي لضرب الأمثال، واستُدل بالحديث على أن بقاء هذه الأئمة يزيد على الألف، لأنه يقتضي أن مدة اليهود نظير مدتي النصارى والمسلمين، وقد اتفق أهل النقل على أن مدة اليهود الى بعثة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كانت أكثر من ألفي سنة، ومدة النصارى من ذلك ست مئة، وقيل أقل من ذلك، فتكون مدة المسلمين أكثر من ألف قطعًا، وقد أخرج الطبري في "تاريخه"، عن ابن عباس:"الدنيا جمعة من جُمَعِ الآخرة، سبعة آلاف سنة"، وقد مضى ستة آلاف سنة، ومئة سنة، وأورد الطبريّ أيضًا عن كعب الأحبار:"الدنيا ستة آلاف سنة"، وعن وهب بن منبّه مثله، وزاد أن الذي مضى منها خمسة آلاف وست مئة سنة، وزيفهما وحق لهما ذلك، ورجح ما جاء عن ابن عباس، وقد تبين عدم صحة ما نسب اليه بالمشاهدة.