أن يصلوها هكذا"، أي: في هذا الوقت. بيّن ذلك المصنّف في كتاب التمني، عن ابن جريج في هذا الحديث، فال: إنه للوقت. وزاد الطبرانيّ عن ابن عباس، في هذا الحديث: "قال: وذهب الناسُ إلا عثمان بن مظعون، في ستة عشر رجلًا، فخرج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: ما صلَّى هذه الصلاة أمَّةٌ قبلَكُم".
قلت: كيف يصح أن يكون ابن عباس حضر القصة كما في الحديث، كأني أنظر إليه، ويكون عثمان بن مظعون حاضرًا لها، مع كون عثمان توفي بكثيرٍ قبل قدوم ابن عباس المدينة؟ اللهمَّ إلا أن تكون القصة متعددة. وفي الحديث دلالة على أن النوم لا ينقض الوضوء، لأنه محال أن يذهب على أصحابه أن النوم ناقض، ويصلُّون معه، والجواب عنه ما مرّ، واختلف العلماء في النوم، فعند مالك: ينقض الثقيل مطلقًا، ولا ينقض الخفيف مطلقًا، من غير اعتبارٍ لهيئة النائم على المشهور في مذهبه.
ومذهب الشافعي: أنه إذا نام جالسًا ممكنًا مقعدته من الأرض لم ينتقض، وإلا انتقض فسواء قلَّ أو كثر، وسواء كان في الصلاة أو خارجها.
ومذهب أبي حنيفة: أنه إذا نام على هيئة من هيئات المصلين كالراكع والساجد والقائم والقاعد لم ينتقض وضوءه، سواء كان في الصلاة أو لم يكن، وإن نام مضطجعًا أو مستلقيًا على قفاه انتقض، وهو قول داود، وبه قال الشافعي في قول غريب.
ومذهب أحمد: ينقض النوم الثقيل، إلا يسيرًا عرفًا من جالس وقائم، لا من راكع وساجد ومضطجع ومستند ومتكىء ومحتبٍ فناقض، ومذهب البعض أن النوم ينقض الوضوء على أي حال كان، وهذا محكي عن أبي موسى وسعيد بن المسيب وأبي مُجلز وشعبة وحُميد الأعرج. ومذهب البعض أنه ينقض بكل حال، وهو مذهب الحسن البصريّ والمُزنيّ وأبي عُبيد القاسم بن سَلاّم وإسحاق بن راهويه، وهو قولٌ غريبٌ للشافعيّ.