حتى صلى العشاء، ثم رجع فلبث حتى تعشى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم"، في رواية: "حيث صليت العشاء"، وفي رواية: "حتى صليت العشاء"، في هذا المحل ارتباك في المعنى من جهة ما يقتضيه ظاهر اللفظ من التكرار بين أول الكلام وآخره، وقد شرحه الكرماني بما لا يشفي الغليل عندي، فقال: هذا، يعني آخر الكلام، يشعر بأنَّ تعشِّي أبي بكر كان بعد الرجوع إلى النبيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم، والذي تقدم بعكسه، والجواب أن الأول بيان حال أبي بكر في عدم احتياجه إلى الطعام عند أهله، والثاني فيه سياق القصة على الترتيب الواقع. قلت: يصح هذا الوجه بجعل "لبث" في داره، وجعل "حتى صلى العشاء"، أو "صليت" بمعنى حان وقت صلاتها؛ لأنها صليت بالفعل؛ لأن صلاتها بالفعل معه صلى الله تعالى عليه وسلم، ويكون قوله بعد: "ثم رجع"، أي: من منزله إلى النبي عليه الصلاة والسلام، أو يقال: إن الأول تعشِّي الصديق، والثاني تعشِّي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، والأول من العشاء بفتح العين، أي: الأكل، والثاني بكسرها، أي: الصلاة. قلت: وهذا لا يصح إلا بتقدير "بعد" ثم الأولى، والتقدير: ثم رجع إلى بيته، ولبث فيه حتى صلى العشاء، أي: حان وقتها، كما مرّ. وعلى هذا يكون قوله: "رجع"، أي: إلى النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، لا إلى منزله؛ لأنه كان فيه على ما قررنا.
ويدل لما قررنا من كونه رجع إلى منزله ما في الرواية الماضية من قوله. "وأبو بكر بثلاثة"، وما رواه أبو داود عن عبد الرحمن بن أبي بكر، قال: نزل بنا أضياف، وكان أبو بكر يتحدث عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال: لا أرجع إليك حتى تفرغ من ضيافة هؤلاء، وما في رواية المصنف في الأدب عنه بلفظ: "إن أبا بكر تضيّف رهطًا، فقال لعبد الرحمن: دونك أضيافك، فإني منطلق إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فافرغ من قِراهم قبل أن أجيءَ. فهذا يدل على أن أبا بكر أحضرهم إلى منزله، وأمر أهله أن يُضَيِّفوهم، ورجع هو إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.
ووقع عند الإسماعيلي:"ثم ركع" بالكاف مكان: "ثم رجع"، أي: صلى النافلة بعد العشاء. قال في "الفتح": وعلى هذا فالتكرار في قوله: "فلبث حتى