أبا بكر أيضًا رأى الأذان، وفي "الوسيط" للغزاليّ أنه رآه بضعة عشر رجلًا، وعبارة الحيليّ:"أربعة عشر رجلًا"، وأنكره ابن الصَّلاح والنَّوويّ. ونقل مغلطاي عن بعض كتب الفقهاء أنه رآه سبعة، ولا يثبت شيء من ذلك إلا لعبد الله بن زيد، وقصة عمر جاءت في بعض طرقه كما مر. وفي مسند الحارث بن أبي أسامة بسند واهٍ، قال:"أول من أذّن بالصلاة جبريل في سماء الدنيا، فسمعه عمر وبلال، فسبق عمر بلالًا، فأخبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم جاء بلالٌ، فقال: سبقك بها عمر".
واستشكل إثبات حكم الأذان برؤيا عبد الله بن زيد؛ لأن رؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعي. وأُجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك، أو بأنه صلى الله تعالى عليه وسلم أَمَرَ بمقتضاه، لينظر أيقر على ذلك أم لا، ولاسيما لما رأى نظمها يبعد دخول الوساوس فيه، وهذا ينبني على القول بجواز اجتهاده عليه الصلاة والسلام في الأحكام، وهو المنصور في الأصول، ويؤيد الأول ما رواه عبد الرزاق وأبو داود في "المراسيل" عن عُبَيد بن عُمَير اللَّيثي، أحد كبار التابعين، أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فوجد الوحي قد ورد بذلك، فما راعه إلا أذان بلال، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام:"سبقك بذلك الوحي"، وهذا أصح مما حكى الداوديّ عن ابن إسحاق:"أن جبريل أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالأذان قبل أن يخبره عبد الله بن زيد وعمر بثمانية أيام".
وذكر السُّهَيليّ أن الحكمة في إعلام الناس به على غير لسانه عليه الصلاة والسلام، التنويهُ بقدره، لذكره بلسان غيره، ليكون أقوى لأمره، وأفخم لشأنه. وبُني على صحة هذه الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصحابة، أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم سمعه فوق سبع سموات، وهو أقوى من الوحي، فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة، وأراد إعلامهم بالوقت، فرأى الصحابي المنام فقصها، فوافقت ما كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم سمعه، فقال:"إنها لرؤيا حق"، وعلم حينئذ أن مراد الله بما أراه في السماء