للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يكون سنّة في الأرض، وتقوّى ذلك بموافقة عمر؛ لأن السكينة تنطق على لسانه، ولم يكتف برؤيا عبد الله حتى أضيف إليه عمر للتقوية، ولم يقتصر على عمر ليصير في معنى الشهادة.

وقد قيل إن مناسبة اختصاص بلال بالأذان دون غيره، هي لكونه كان لما عُذّب ليرجع عن الإِسلام يقول: أحد أحد، فجوزي بولاية الأذان المشتملة على التوحيد في ابتدائه وانتهائه، وهي مناسبة حسنة. وقوله: "يا بلال، قم فناد بالصلاة"، في رواية الإسماعيلي: "فأذَّن بالصلاة"، قال عياض: المراد الإعلام المحض بحضور وقتها، لا خصوص الأذان المشروع. وأغرب ابن العربيّ فحمل قوله: "أذّن" على الأذان المشروع، وطعن في صحة حديث ابن عمر، وقال: عجبًا لأبي عيسى كيف صححه؟ والمعروف أن شرع الأذان إنّما كان برؤيا عبد الله بن زيد، ولا تدفع الأحاديث الصحيحة بمثل ما قاله، مع إمكان الجمع كما مرّ.

وقد قال ابن منده: إن حديث ابن عمر مُجْمَع على صحته، وقد قال عِياض وغيره: فيه حجة لمشروعية الأذان قائمًا، وكذا احتج به ابن خُزَيمة وابن المُنذر، وتعقبه النّوويّ بأن المراد بقوله: "قم"، أي: اذهب إلى موضع بارز فنادِ فيه بالصلاة، ليسمعك الناس. قال: وليس فيه تعرض للقيام في حال الأذان، وما نفاه ليس ببعيد من ظاهر اللفظ، فإن الصيغة محتملة للأمرين، وإن كان ما قاله أرجح. ونقل عِياض أن مذهب العلماء كافة أن الأذان قاعدًا لا يجوز، إلا عند أبي ثَوْر، ووافقه أبو الفَرَج المالكي. وتعقب بأن هذا خلاف المعروف عند الأئمة، وأن الصواب ما قال ابن المنذر، أنهم اتفقوا على أن القيام من السنة، ومذهب مالك أن القيام مستحب لا غير.

وقد قال النَّوويّ: ومذهبنا الشهور أنه سُنّة، فلو أذن قاعدًا من غير عذر صحّ أذانه، لكن فاتته الفضيلة. وما قاله هو مذهب الحَنَفيّة، وكذلك الحنابلة، يسن عندهم القيام فيه. وأخرج ابن سعد من مراسيل سعيد بن المسيَّب أن اللفظ الذي كان ينادي به بلال للصلاة هو: "الصلاة جامعة". وفي حديث ابن عمر

<<  <  ج: ص:  >  >>