ونصت الحنفية والحنابلة على مساواة الإقامة للأذان في ابدال الحيعلتين بالحوقلة، وعلى إبدال لفظ الإقامة أقامها الله وأدامها كما مرّ.
وأما المالكية فلا تندب عندهم حكاية الإقامة أصلًا، قلت: ولعل منشأ الخلاف بينهم ويين غيرهم أن غيرهم جعلها داخلة في قوله عليه الصلاة واللام: "إذا سمعتم المؤذن"، والمالكية لم يجعلوا الأذان شاملًا للإقامة، وحديث أبي هُريرة الماضي في فضل الأذان قال لهم في كون الإقامة غير متناول لها الأذان لتفريقه بينهما في الحديث، واستدل به أيضًا على وجوب اجابة المؤذن لدلالة الأمر على الوجوب، وبه قالت الحنفية والظاهرية وابن وهب من المالكية، قالوا: ألا ترى أن السامعين يتركون القراءة والكلام ورد السلام وكل عمل غير الإجابة؟ فهذا أمارة الوجوب.
وقال الجمهور: أن الأمر في الحديث للاستحباب لا للوجوب، وهو اختيار الطحاوي من الحنفية، واستدل الجمهور بحديث أخرجه مسلم عن أنس:"أنه صلى الله تعالى عليه وسلم سمع رجلًا يقول: الله أكبر، الله أكبر، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: على الفطرة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: خرجت من النار، فنظروا فهذا هو راعي معزى"، فلما قال عليه الصلاة والسلام غير ما قال المؤذن، علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب، وأجيب بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال، فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة، ونقل القول الزائد، وبأنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر، ويحتمل أن يكون الرجل لم يقصد الأذان، لكن يرد هذا الأخير أن في بعض طرقه أنه حضرته الصلاة، واستدل به على أن لفظ المثل لا يقتضي المساواة من كل وجه؛ لأن قوله:"مثل ما يقول" لا يقصد به رفع الصوت المطلوب، وفيه بحث؛ لأن المماثلة وقعت في القول لا في صفته، والفرق بين المؤذن والمجيب في ذلك أن المؤذن مقصوده الإعلام، فاحتاج إلى رفع الصوت، والسامع مقصوده ذكر الله، فيكتفي بالسر أو الجهر لا مع الرفع. نعم لا يكفيه أن يجريه