أن المقام المحمود هو مجموع ما يحصل له في تلك الحالة، ويشعر قوله في آخر الحديث:"حلت له شفاعتي" بأن الأمر المطلوب له الشفاعة، وقيل: المقام المحمود هو إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة. قاله الماوردي. قال القرطبيّ: هذا لا يغاير القول الأول. وقيل: المقام هو ما أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن سَعِيد بن أبي هِلال، أحد صغار التابعين، أنه بلغه أن المقام المحمود أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يكون يوم القيامة بين الجبار وجبريل، فيغبطه بمقامه ذلك أهل الجمع، ويمكن رد الأقوال كلها إلى الشفاعة العامة، فإن إعطاءه لواء الحمد، وثناءه على ربه، وكلامه بين يديه، وجلوسه على كرسيه، وقيامه أقرب من جبريل، كل ذلك صفات للمقام المحمود الذي يشفع فيه ليقضي بين الخلق. وأما شفاعة إخراج المذنبين من النار، فمن توابع ذلك.
وقوله:"حلّت له شفاعتي"، أي: استحقت ووجبت أو نزلت عليه، يقال: حلّ يحُل بالضم، إذا نزل، واللام بمعنى على، ويؤيده رواية مسلم:"حلت عليه". وعند الطحاويّ، عن ابن مسعود:"وجبت له"، ولا يجوز أن تكون حلّت من الحِل؛ لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة، واستشكل بعضهم جعل الشفاعة ثوابًا لقائل ذلك مع ما ثبت من أن الشفاعة للمذنبين، وأجيب بأن له عليه الصلاة والسلام شفاعات أخرى، كإدخال الجنة بغير حساب، وكرفع الدرجات إلى ما أذكره قريبًا إن شاء الله تعالى، فيعطى كل أحد ما يناسبه.
ونقل عِياض عن بعض شيوخه أنه كان يرى اختصاص ذلك بمن قاله مخلصًا مستحضرًا إجلال النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم، لا من قصد بذلك مجرد الثواب، ونحو ذلك، وهو تحكم غير مرضي، ولو كان أخرج الغافل اللاهي لكان أشبه، وقد عبد العلماء له نحو إحدى عشرة شفاعة.
الأولى: وهي خاصة به عليه الصلاة والسلام في الإراحة من هول الموقف، وقد وردت في حديث الشفاعة الكبرى.