وأجيب عنه بأنّ المراد قاربت الصباح؛ لأن قرب الشيء قد يعبر به عنه، كما في قوله تعالى:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}، أي: قاربن؛ لأن العدة إذا تمت فلا رجعة، ويعكر على هذا الجواب أن في رواية الرَّبيع بن سُلَيمان عند البَيهقيّ:"ولم يكن يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر أذِّنْ"، وأبلغ من ذلك أن لفظ رواية المصنف في الصيام:"حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر"، وإنما كانت أبلغ لكون جميعه من كلام النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وأيضًا، فقوله:"إن بلالًا يؤذن بليل"، يشعر بأن ابن أم مكتوم بخلافه، ولأنه لو كان قبل الصبح لم يكن بينه وبين بلال فرق، ولصدق أن كلاًّ منهما أذَّن قبل الوقت. وهذا الموضع في غاية الإشكال، وأقرب ما يقال فيه أن أذانه جُعل علامة لتحريم الأكل والشرب، وكأنه كان له من يراعي الوقت، بحيث يكون أذانه مقارنًا لابتداء طلوع الفجر. وهو المراد بالبزوغ. وعند أخذه في الأذان يعترض الفجر في الأفق، أو يقال: إنه لا يلزم من كون المراد بقولهم: أصبحت، أي: قاربت الصباح وقوع أذانه قبل الفجر، لاحتمال أن يكون قولهم ذلك يقع في آخر جزء من الليل، وأذانه يقع في أول جزء من طلوع الفجر، وهذا وإن كان مستبعدًا في العادة، فليس بمستبعد من مؤذن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، المؤيد بالملائكة، فلا يشاركه فيه مَن لم يكن على تلك الصفة.
وقد روى أبو قرة عن ابن عمر حديثًا فيه:"وكان ابن أم مكتوم يتوخى الفجر فلا يخطئه". قلت: مما يحكى عن العلماء أنه كان بجامع القيروان صاحب الوقت أعمى، وكان لا يخطىء. ويذكر أنه كان يشم لطلوع الفجر رائحة، وإذا كان هذا لغير صحابي، فما ظنك بصاحب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم؟
وفي هذا الحديث جواز الأذان قبل طلوع الفجر، وبه قال الجمهور، واختلف هل يكتفى به عن إعادة الأذان بعد الفجر أم لا؟ وإلى الاكتفاء مطلقًا ذهب مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم، وخالف ابن خُزَيمة وابن المُنذر وطائفة من أهل الحديث. وقال به الغَزاليّ في "الإحياء"، وادعى بعضهم أنه لم يرد في شيء من الحديث ما يدل على الاكتفاء، وتعقب بحديث ابن مسعود