الآتي في باب الأذان قبل الفجر، وأجيب بأنه مسكوت عنه فلا يدل، وعلى التنزل فمحله فيما إذا لم يرد نطق بخلافه، وهنا قد ورد حديث ابن عمر وعائشة في الباب المذكور، بما يشعر بعدم الاكتفاء، وعند أبي داود عند زياد بن الحارث ما يدل على الاكتفاء، فإن فيه أنه أذن قبل الفجر بأمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وأنه استأذنه في الإقامة فمنعه إلى أن طلع الفجر، فأمره فأقام. لكنْ في إسناده ضعف، وأيضًا فهي واقعة عَيْن، وكانت في سفر، ومن ثمَّ قال القرطبيُّ: إنه مذهب واضح غير أن العمل المنقول بالمدينة على خلافه، فلم يرده إلا بالعمل على قاعدة المالكية. وحاصل مذهب المالكية فيه أربعة أقوال ليس لها إلا أذان واحد يقدم لها، أذانان كل منهما سنة. الأول سنة، والثاني مستحب، وعكسه، واعتمد كون الأول سنة، والثاني مستحبًا. ونظم هذا شيخنا عبد الله بن محمد سالم، فقال:
الأذان للسُّدْسِ يُسَنُّ ونُدِبْ ... تقديمه وعند فجر استُحبْ
وقيل لا أذانَ للصبح وقد ... قيل يُسَنُّ فيهما وقد عضد
وقيل الأول أخو استحباب ... والثاني للسنة ذو استصحاب
وقال النووي وأبو حنيفة ومحمد وزُفَر: لا يجوز أن يؤذن للفجر إلا بعد دخول وقتها، كما لا يجوز لسائر الصلوات إلا بعد دخول وقتها؛ لأنه للإعلام به. وقبل دخوله تجهيل، وليس بإعلام فلا يجوز. وأجيب عن هذا بأن الإعلام قبل الوقت أعم من أن يكون إعلامًا بأنه قد دخل أو قارب أن يدخل، وإنما اختصت الصبح بذلك من بين الصلوات؛ لأن الصلاة في أول وقتها مُرَغَّب فيها، والصبح يأتي غالبًا بعد نوم، فناسَبَ أن ينصب من يوقظ الناس قبل دخول وقتها، ليتأهبوا ويدركوا فضيلة أول الوقت، وتمسك الطَّحاويّ لمذهبه بما في حديث ابن مسعود الآتي من قوله:"ليرجع قائمكم ولينبه نائمكم"، فقال: قد أخبر أن ذلك النداء كان لما ذكر لا للصلاة، وتعقب بأن قوله:"لا للصلاة" زيادة في الخبر، وليس فيه حصر فيما ذكر. وادعى بعض الحنفية فيما حكاه السُّرُوجيّ منهم أن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان، وإنما كان تذكيرًا أو تسحيرًا لما يقع للناس