وقوله:"فركع ركعتين خفيفتين"، مرّ البحث فيه مستوفى عند حديث حَفصة في باب "الأذان بعد الفجر". وقوله:"يَسْتَبِين"، أي؛ بموحدة، وآخره نون، وفي رواية:"يستنير" بنون، وآخره راء. وقوله:"اضطجع على شقِّه الأيمن" بكسر الشين المعجمة، قيل: الحكمة في تخصيص الأيمن أن القلب في جهة اليسار، فلو اضطجع عليه لاستغرق نومًا، لكونه أبلغ في الراحة، بخلاف اليمين، فيكون القلب معلقًا فلا يستغرق، وأيضًا يكون انحدار المثقل إلى سفل أسهل وأكثر، فيكون سببًا لدغدغة قضاء الحاجة، فينبه أسرع. وهذا في حقه عليه الصلاة والسلام غير محتاج إليه؛ لأن قلبه لا ينام، ولا يكثر من الطعام، وإنما يفعله لأجل التعليم لأمته، وكان يحب التيامن في كل شيء، والنوم على اليمين نوم الصالحين، وعلى اليسار نوم الحكماء، وعلى الظهر نوم الجبارين، وعلى الوجه نوم الكفار.
وفائدة هذه الضجعة الراحة والنشاط لصلاة الصبح، وعلى هذا فلا يستحب ذلك إلا للمتهجد، وبه جزم ابن العربيّ، ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق أن عائشة كانت تقول:"إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لم يضطجع لِسِنة، ولكنه كان يدأب ليلته فيستريح"، وفي إسناده راوٍ لم يسم، وقيل: إن فائدتها الفصل بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح، وعلى هذا فلا اختصاص. ومن ثَمّ قال الشافعي: تتأدى السُّنة بكل ما يحصل به الفصل من مشي وكلام وغيره. وقال النوويّ: المختار أنه سنة لظاهر حديث أبي هريرة. وقد قال أبو هريرة، راوي الحديث: إن الفصل بالمشي إلى المسجد لا يكفي، وعنى بحديثي أبي هُريرة ما أخرجه أبو داود والتِّرمذيّ بإسناد صحيح على شرط الشيخين، أنه قال:"قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه".
وأفرط ابن حزم فقال: يجب على كل واحد، وجعله شرطًا لصحة صلاة الصبح، ورد عليه العلماء حتى طعن بعضهم في صحة الحديث، والحق أنه تقوم به الحجة، ولكنه محمول على الاستحباب لما ورد في الأحاديث