للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلادكم، فعلمتموهم، ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون عرض ذلك عليهم على طريق الإيناس بقوله: لو رجعتم" إذ لو بدأهم بالأمر بالرجوع، لأمكن أن يكون فيه تنفيذ، فيحتمل أن يكونوا أجابوه بنعم، فأمرهم حينئذ بقوله: "ارجعوا"، واقتصار الصحابي على ذكر سبب الأمر برجوعهم بأنه الشوق إلى أهليهم، دون قصد التعليم، هو لما قام عنده من القرينة الدالة على ذلك، ويمكن أن يكون عرف ذلك بصريح القول منه صلى الله تعالى عليه وسلم، وإن كان سبب تعليمهم قومهم أشرف في حقهم، لكنه أخبر بالواقع، ولم يتزين بما ليس فيهم، ولما كانت نيتهم صادقة، صادف شوقهم إلى أهلهم الحظ الكامل في الدين، وهو أهلية التعليم، كما قال الإِمام أحمد في الحرص على طلب الحديث: حظ وافق حقًا.

وقوله هنا: "ونحن شيبة وفي الذي قبله: "أتى رجلان النبي وفي رواية الجهاد: "أنا وصاحب لي" كما مرّ يجمع بينها بأنهم حين أذن لهم في السفر كانوا جميعًا، فلعل مالكًا ورفيقه عادا إلى توديعه، فأعاد عليهما بعض ما أوصاهم به تأكيدًا. وأفاد ذلك زيادة بيان أقل ما تنعقد به الجماعة. وقوله: "اشتهينا أهلنا في رواية الكُشميهنيّ: "أهلِينا" بكسر اللام وزيادة ياء، وهو جمع أهل، ويجمع مكسرًا على أَهال، بفتح الهمزة مخففًا، وفي رواية وهيب: "فلما رأى شوقنا إلى أهلنا" والمراد بأهل كل منهم زوجته أو أعم من ذلك.

وقوله: "سأَلَنا"، بفتح اللام، أي: النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، سأل المذكورين. وقوله: "ارجعوا إلى أهليكم"، إنما أذن لهم في الرجوع؛ لأن الهجرة كانت قد انقطعت بفتح مكة، فكانت الإقامة بالمدينة باختيار الوافد، فكان منهم من يسكنها، ومنهم من يرجع بعد أن يتعلم ما يحتاج إليه. وقوله: "وعلموهم ومروهم"، بصيغة الأمر، ضد النهي، فالمراد به أعم من ذلك؛ لأن النهي عن الشيء أمر بفعل خلاف ما نهى عنه اتفاقًا، وعطف الأمر على التعليم لكونه أخص منه، أو هو استئناف كأنَّ سائلًا قال: ماذا نعلمهم؟ فقال: مروهم بالطاعات، وكذا وكذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>