وفي رواية حماد بن زيد في أبواب الإمامة:"مروهم فليصلوا صلاة كذا، في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا"، فعرف بذلك المأمور المبهم في رواية الباب، ولم ير في شيء من الطرق بيان الأوقات في حديث مالك بن الحُويرث، فكأنه ترك ذلك لشهرتها عندهم. وقوله:"وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها" قائل هذا هو أبو قِلابة راوي الخبر. وفي رواية أخرى:"أو لا أحفظهما" وهو للتنويع لا للشك. وقوله:"وصلوا كما رأيتموني أصلي"، أي: ومن جملة الأشياء التي يحفظها أبو قِلابة عن مالك، قوله صلى الله تعالى عليه وسلم هذا، وفي رواية وهيب السابقة:"وصلوا" فقط، ونسبت إلى الاختصار، وتمام الكلام هو الذي وقع عنا.
قال ابن دقيق العِيد: استدل كثير من الفقهاء على مواضع كثيرة، على الوجوب بالفعل مع هذا القول، وهو:"صلوا كما رأيتموني أصلي"، قال: وهذا إذا أخذ مفردًا عن ذكر سببه وسياقه أشعر بأنه خطاب للأمة بأنّ يصلوا كما كان يصلي، فيقوي الاستدلال به على كل فعل ثبت أنه فعله في الصلاة، لكن هذا الخطاب إنّما وقع لمالك بن الحُويرث وأصحابه، بأنّ يوقعوا الصلاة على الوجه الذي رأوه صلى الله تعالى عليه وسلم يصليه، نعم يشاركهم في الحكم جميع الأمة بشرط أن يثبت استمراره صلى الله تعالى عليه وسلم على فعل ذلك الشيء المستدل به دائمًا، حتى يدخل تحت الأمر، ويكون واجبًا، وبعض ذلك مقطوع باستمراره عليه، وأما ما لم يدل دليل على وجوده في تلك الصلوات التي تعلق الأمر بإيقاع الصلاة على صفتها. فلا نحكم بتناول الأمر له.
وقوله:"وليؤمكم أكبركم"، ظاهره تقديم الأكبر بكثير السن وقليله، وأما من جوز أن يكون مراده بالكبر ما هو أعم من السن أو القدر، كالتقديم في الفقه والقراءة والدِّين فبعيد، لما رواه ابن خُزيمة عن خالد راوي الحديث حيث قال لأبي قِلابة: فأين القراءة؟ قال: إنهما كانا متقاربين، فإنه دال على أن خالدًا فهم أن المراد كبر السن، ودعوى أن قوله:"وليؤمكم أكبركم"، مُعارض لقوله في حديث أبي مسعود الأنصاريّ عند مسلم مرفوعًا: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله،