فإن كانت قراءتهم سواء، فليؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فليؤمهم أكبرهم سنًا"، الحديث؛ لأن الأول يقتضي تقديم الأكبر على الأقرأ، والثاني عكسه، يجاب عنه بأن قصة مالك بن الحويرث واقعة عين قابلة للاحتمال، بخلاف الحديث الآخر، فإنه تقرير قاعدة تفيد التعميم، فيحتمل أن يكون الأكبر منهم كان يومئذ هو الأفقه، لكن التنصيص فيما مر على تقاربهم في العلم.
هذا والأولى في الجمع ما قال الزين بن المنير، وحاصله: إن تساوى هجرتهم وإقامتهم وغرضهم بها مع ما في الشباب غالبًا من الفهم، ثم توجه الخطاب إليهم بأن يعلّموا من وراءهم من غير تخصيص بعضهم دون بعض، دال على استوائهم في القراءة والتفقه في الدين. قلت: فلم يبق إلا الكبر في السنن. وقيل: المراد بقوله في حديث أبي مسعود: "أقرؤهم"، أفقههم. وقيل: هو على ظاهره، وبحسب ذلك اختلف الفقهاء. قال النّوويّ: قال أصحابنا الأفقه مقدم على الأقرأ، فإن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط، والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط. فقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصلاة فيه إلا كامل الفقه، ولهذا قدم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أبا بكر في الصلاة على الباقين، مع أنه عليه الصلاة والسلام نص على أن غيره أقرأ منه، يعني حديث: "أقرؤكم أُبيّ"، قال: وأجابوا عن الحديث، يعني حديث أبي مسعود بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه، لكن هذا الجواب يلزم منه أن من نص النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على أنه أقرأ من أبي بكر يكون أفقه منه، فيفسد الاحتجاج بأنّ تقديم أبي بكر كان لأنه الأفقه. قلت: مذهب المالكية تقديم الأفقه على الأقرأ.
ثم قال النَّوويّ بعد ذلك: أن قوله في حديث أبي مسعود: "فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم في الهجرة" يدل على تقديم الأقرأ مطلقًا، وهو واضح للمغايرة، وهذه الرواية أخرجها مسلم أيضًا من وجه آخر على إسماعيل بن رجاء، ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما