حديثه "ولم يَسْتَدِر" ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عني استدارة الرأس، ومن نفاها عني استدارة الجسد كله، ومشى ابن بَطال ومن تبعه على ظاهره، فاستدل به على جواز الاستدارة بالبدن كله، وما مشى عليه هو مذهب مالك، فإن الدوران عنده حالة الأذان جائز أو مندوب لإسماع الناس، وقيل عند الحَيْعَلة.
وقال ابن دَقيق العيد: فيه دليل على استدارة المؤذنين للإسماع عند التلفظ بالحيعلتين، واختلف هل يستدير ببدنه كله، وهو المشهور عند المالكية، أو بوجهه فقط وقدماه قارّتان مستقبلَ القبلة؟ واختلف أيضًا هل يستدير في الحيعلتين الأوليين مرة، وفي الثانيتين مرة، أو يقول حي على الصلاة عن يمينه، حي على الفلاح عن شماله، وكذا في الأخرى؟ قال "في الفتح": ورجح الثاني لأنه يكون لكل جهة نصيب منهما، والأول أقرب إلى لفظ الحديث.
وقال صاحب التوضيح من الشافعية: الالتفات في الحَيْعَلَتين سُنّة، ليعم الناس بإسماعه، وخص بذلك لأنه دعاء، وعند الحنابلة يلتفت يمينًا لحي على الصلاة، وشمالًا لحي على الفلاح، ولا يزيل قدميه سواء كان على منارة أو غيرها، أو على الأرض على المشهور. وفي "المغني" عن أحمد: ولا يدور إلا إذا كان على منارة، يقصد إسماع أهل الجهتين.
ثم قال: ويُذكرُ عن بلالٍ أنَّهُ جعلَ أُصْبَعَيهِ في أُذنيهِ.
يشير بذلك إلى ما مرَّ في رواية عبد الرَّزَّاق عن سفيان عند التِّرمذِيّ، وقد رواه مُؤَمِّلْ أيضًا عن سفيان عند أبي عَوانَةَ، وله شواهد أصحها ما رواه أبو داود وابن حِبّان، أن عبد الله الهَوْزيّ قال: قلت لبلال: كيف كانت نفقة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فذكر الحديث، وفيه قال بلال "فجعلت أصبعي في أذني، فأذنت" ولابن ماجه والحاكم من حديث سعد القرظ "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بلالًا أن يجعل أصبعيه في أذنيه" وفي إسناده ضعف، وبه قال الحسن وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة ومحمد بن سيرين، أي قالوا بندبه. وقال مالك: ذلك واسع. قال العلماء: في ذلك فائدتان؛