لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد، واستدل ابن المنذر لذلك أيضًا على أنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في الركعة الأولى.
وأخذت الحَنَفية برواية "فاقضوا" وقالوا إن ما أدركه هو آخر صلاته، وأن يكون قاضيًا في الأقوال والأفعال، وهو قول سُفيان ومُجَاهِد وابن سِيْرين. قال ابن الجَوْزِيّ: الأشبه بمذهبنا ومذهب أبي حَنِيفَة أنه آخر صلاته، ورواه ابن القاسم عن مالك، وهو قول أشْهَبُ وابن الماجِشُون، واختاره ابن حَبيب، وأجاب القائلون بهذا عن رواية "فأتموا" بأن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإِمام، فحمل قوله فأتموا على أن من قضى ما فاته فقد أتم؛ لأن الصلاة تنقضي بما فات، فقضاؤه إتمام لما نقص، وتظهر ثمرة الخلاف فيمن أدرك أخيرة المغرب، فعلى ما ذهب إليه مالك يأتي بركعة بأم القرآن وسورة جهرًا لأنه قاضي القول، ويجلس؛ لأنه بان في الفعل، ثم بركعة بأم القرآن وسورة أيضًا جهرًا؛ لأنه قاضي القول، ويتشهد ويسلم. وعلى ما ذهب إليه الشافعيّ يأتي بركعة بأم القرآن وسورة جهراً ويجلس، ثم يأتي بركعة بأم القرآن فقط، هذا هو القياس. وهو قول المُزَنِي منهم، والمشهور في مذهبهم أنه يقضي مثل الذي فاته من قراءة السورة مع أم القرآن في الرباعية والثلاثية، إلا أنه لا تستحب له إعادة الجهر في الركعتين الباقيتين، وكأنَّ الحجة عندهم في ذلك قوله "ما أدركت مع الإِمام فهو أول صلاتك، واقض ما سبقك به من القراءة" وقد مرَّ أن البَيْهَقِيّ أخرجه.
وعلى ما ذهب إليه أبو حَنِيفَة يأتي بركعتين بأم القرآن وسورة جهرًا، ولا يجلس بينهما؛ لأنه قاضٍ فيهما قولًا وفعلًا واستدل به على أن من أدرك الإِمام راكعًا لم تحسب له تلك الركعة، للأمر بإتمام ما فاته؛ لأنه فاته الوقوف والقراءة فيه، وهو قول أبي هُرَيرة وجماعة، بل حكاه البُخَاريّ في القراءة خلف الإِمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإِمام، واختاره ابن خُزَيْمَةَ والضُّبَعيّ وغيرهما من محدِّثي الشافعية، وقواه الشيخ تقيّ الدين السُّبْكيّ من المتأخرين.
والجمهور على أنه تحسب له تلك الركعة بإدراك الركوع، وحجتهم حديث أبي بَكْرَة حيث ركع دون الصف، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- "زادك الله حرصًا" ولم يأمره