"فاقضوا" وعند مُسْلم من رواية ابن سِيْرين بلفظ "صل ما أدركت واقض ما سبقك" والحاصل أن أكثر الروايات بلفظ "فأتموا" وأقلها بلفظ "فاقضوا" وإنما تظهر فائدة ذلك إذا جعلنا بين الإتمام والقضاء مغايرة، لكن إذا كان مخرج الحديث واحدًا واختلف في لفظة منه، وأمكن رد الخلاف إلى معنى واحد، كان أولى.
قلت: ومن هنا اختلف العلماء في هذا الحديث على ثلاثة مذاهب: فقالت المالكية: إنه يقضي الأقوال، يعنون القراءة خاصة، ويبني في الأفعال، فحملوا رواية "فاقضوا" على الأقوال، ورواية "فأتموا" على الأفعال جمعًا بين الروايتين، فما أدركه مع الإِمام هو أول صلاته بالنسبة إلى الأفعال، فيبني عليها، وآخرها بالنسبة إلى الأقوال، فيقضيها. واستدلوا أيضًا بما رواه البيهقيّ عن قتادة أن عليَّ بن أبي طالب قال: ما أدركت مع الإِمام فهو أول صلاتك، واقض ما سبقك به الإِمام من القراءة.
وأخذت الشافعية برواية "فأتموا" وجعلوا ما أدرك مع الإِمام أول صلاته؛ لأن الإتمام لا يكون إلا للآخر؛ لأنه يستدعي سبق أول. وقد روى البَيْهَقِيّ عن عَلِيّ رضي الله تعالى عنه "ما أدركت فهو أول صلاتك" وبقول الشافعية قال إسحاق والأوَزْاعيّ وابن المُسَيِّبَ والحَسَن وعَطَاء ومَكْحُول، ورواية عن مالك وأحْمَد، وحملوا رواية "فاقضوا" على معنى الأداء أو الفراغ؛ لأن القضاء، وإن كان يطلق على الفائدة غالبًا، فإنه يطلق على الأداء وعلى الفراغ، كقوله {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا}[الجمعة: ١٠] وإذا حمل قوله هنا "فاقضوا" على معنى الأداء أو الفراغ، لم يغاير قوله "فأتموا" فلا حجة فيه لمن تمسك برواية "فاقضوا" على أن ما أدركه المأموم هو آخر صلاته، حتى استحب له الجهر في الركعتين الأخيرتين، وقراءة السورة وترك القنوت، بل هو أولها وإن كان آخر صلاة إمامه، لأن الآخر لا يكون إلا عن شيء تقدمه، وأوضح دليل على ذلك أنه يجب عليه أن يتشهد في آخر صلاته على كل حال، فلو كان ما يدركه مع الإمام آخرًا لما احتاج إلى إعادة التشهد، وأجاب ابن بطال عنه بأنه ما تشهد إلا لأجل السَلام،