محكي عن إسحاق بن راهَوَيه. قلت: وهو مذهب مالك، فإن الإسراع عنده جائز إذا لم تكن فيه هَرْوَلَة؛ لأن الهرولة تذهب السكينة والخشوع، وقد مرت رواية مسلم "فهو في صلاة". قال النّوَويّ: نبه على أنه لو لم يدرك من الصلاة شيئًا لكان محصلًا لمقصوده لكونه في صلاة، وعدم الإسراع أيضًا يستلزم كثرة الخطأ وهو معنى مقصود لذاته، ووردت فيه أحاديث، كحديث جابر عند مُسْلم "أن بكل خطوة درجة" وحديث أبي داود عن رجل من الأنصار مرفوعًا "إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لم يرفع قدمه اليُمنى إلا كتب الله له حسنة، ولم يضع قدمه اليُسرى إلا حط عنه سيئة، فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له، فإن أتى وقد صلوا بعضاً وبقي بعض فصلى ما أدرك، وأتم ما بقي كان كذلك، وإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك". وقلت: ما ذهبت إليه المالكية من التفصيل محصل لإدراك الصلاة والتزام الوقار.
وقوله: فما أدركتم فصلوا، الفاء جواب شرط محذوف، أي إذا بينت لكم ما هو أولى بكم فما أدركتم فصلوا، أو التقدير: إذا فعلتم الذي أمرتكم به من السكينة وترك الإسراع فما أدركتم فصلوا، أو استدل بهذا الحديث على حصول فضيلة الجماعة بإدراك جزء من الصلاة، لقوله:"فما أدركتم فَصَلّوا" ولم يفصل بين القليل والكثير. قال "في الفتح": وهذا قول الجمهور. وقيل: لا تدرك الجماعة بأقل من ركعة، للحديث السابق من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك" وهذا هو مذهب مالك، وقد مرَّ الكلام عليه في باب "من أدرك ركعة من العصر" وفي غيره، واستدل به أيضًا على استحباب الدخول مع الإِمام في أي حالة وجده عليها، وفيه حديث أصرح منه، أخرجه ابن أبي شَيْبَة عن رجل من الأنصار مرفوعًا "من وَجَدني راكعًا أو قائمًا أو ساجدًا فليكن على حالتي التي أنا عليها".
وقوله: فأتموا، هذا هو الصحيح في رواية الزُّهريّ، ورواه عنه ابن عُيَينة بلفظ "فاقضوا" وكذا رواه أحمد عن أبي هُريْرَة بلفظ "فاقضوا" وعند مسلم بلفظ "فأتموا" وحديث أبي قَتَادَةَ رواية الجمهور فيه "فأتموا" وعند ابن أبي شَيْبَة بلفظ