الشافعي أنها فرض كفاية، وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه، وصححه النَّوَوِيّ في "المنهاج" كأصل الروضة، وبه قال بعض المالكية، واختاره الطَّحَاويّ والكَرْخِيّ وغيرهما من الحنفية، لحديث أبي داود، وصححه ابن حَبّان وغيره، "ما من ثلاثة في قرية أو بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان" أي غلب.
ومشهور مذهب مالك وأبي حنيفة أنها سنة مؤكدة، وهو وجه عند الشافعية، لقوله عليه الصلاة والسلام، فيما رواه الشيخان "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" ولمواظبته -صلى الله عليه وسلم-، وبما رواه الحاكم، وصححه عن أُبيّ بن كَعْب رضي الله تعالى عنه "صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع رجلين أزكى من صلاته مع رجل، وما كثر فهو أحب إلى الله عَزَّ وَجَلَّ" وبقوله -صلى الله عليه وسلم- للذين صليا في رحالهما من غير جماعة "إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما المسجد، فصليا فإنهما لكما نافلة، فلو كانت فرضًا لأمرهما بالإعادة" ومثل هذا جرى لمحجن الدُئليّ: ذكره في الموطأ. وعند المالكية قول بأنها ندب وجمع ابن رشد بين الأقوال الثلاثة، فقال: فرض في حق أهل البلد سنة في حق كل مسجد ندب في حق كل فصل. وأجابوا عن ظاهر حديث الباب بأجوبة:
منها ما قال ابن بُزَيْزة أن بعضهم استنبط من نفس الحديث عدم الوجوب، لكونه -صلى الله عليه وسلم- هَمّ بالتوجه إلى المتخلفين، فلو كانت الجماعة فرض عين ما همّ بتركها إذا توجه، وتعقب بأن الواجب يجوز تركه لما هو أوجب منه، وليس فيه أيضًا دليل على أنه لو فعل ذلك لم يتداركها في جماعة آخرين.
الثاني: قال ابن بطّال وغيره: لو كانت فرضًا لقال حين توعده بالإحراق: من تخلف عن الجماعة لم تجزئه صلاته؛ لأنه وقت البيان، وتعقب بأن البيان قد يكون بالتنصيص، وقد يكون بالدلالة، فلما قال -صلى الله عليه وسلم- "لقد هممت" إلخ دل على وجوب الحضور، وهو كاف في البيان.