تركهم الجماعة، مع العلم بأنه لا صلاة لهم، وبأنه كان معرضًا عنهم وعن عقويتهم، مع علمه بطويتهم. وقد قال:"لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" وتعقب ابن دَقيق العِيد هذا التعقب بأنه لا يتم إلا إذا ادعى أنّ ترك معاقبة المنافقين كان واجبًا عليه، ولا دليل على ذلك، فإذا ثبت أنه كان مخيرًا فليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقويتهم.
والذي يظهر أن الحديث ورد في حق المنافقين، لقوله في صدر الحديث الآتي بعد أربعة أبواب "ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر" ولقوله "لو يعلم أحدهم .. " إلخ لأن هذا الوصف لائق بالمنافقين لا بالمؤمن الكامل، لكن المراد به نفاق المعصية لا نفاق الكفر، بدليل قوله في رواية عَجْلاَن "لا يشهدون العشاء في الجميع" وقوله في حديث أُسامة "لا يشهدون الجماعة" ولما هو أصرح من ذلك في رواية يزيد بن الاسم عن أبي هُرَيرة عند أبي داود "ثم آتي قومًا يُصَلُّون في بيوتهم، ليست بهم علة" فهذا يدل على أن نفاقهم نفاق معصية لا نفاق كفر؛ لأن الكافر لا يصلي في بيته، إنما يصلي في المسجد رياء وسمعة، فإذا خلا في بيته كان كما وصفه الله به من الكفر والاستهزاء، قاله القرطبي. وأيضًا فقوله في رواية المقْبريّ "لولا ما في البيوت من النساء والذرية" يدل على أنهم لم يكونوا كفارًا؛ لأن تحريق بيت الكافر إذا تعين طريقًا إلى الغلبة عليه، لم يمنع ذلك وجود النساء والذرية في بيته. قلت: هذا خلاف مذهبنا معاشر المالكية، فإن تحريق الكافر وتغريقه يمنعه عندنا وجود النساء والذرية، إلا لخوف على المسلمين.
وعلى تقدير أن يكون المراد بالنفاق في الحديث نفاق الكفر، فلا يدل على عدم الوجوب؛ لأنه يتضمن أن ترك الجماعة من صفات المنافقين، وقد نهينا عن التشبه بهم، وسياق الحديث يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلف عنها، قال الطِّيبيّ: خروج المؤمن من هذا الوعيد، ليس من جهة أنهم إذا سمعوا النداء جاز لهم التخلف عن الجماعة، من جهة أن التخلف ليس من شأنهم، بل هو من صفات المنافقين، ويدل عليه قول ابن مسعود عند مسلم