"لقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة إلا منافق" ويدل عليه ما رواه ابن أبي شَيْبَةَ وسَعِيد بن مَنْصور بإسناد صحيح عن ابن عُمَير بن أَنَس "حدثني عمومتي من الأنصار قالوا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما يشهدها منافق" يعني العشاء والفجر، ولا يقال هذا يدل على ما ذهب إليه صاحب هذا الوجه لانتفاء أن يكون المؤمن قد تخلف، وإنما ورد الوعيد في حق من تخلف؛ لأنا نقول هذا يقوي ما هو الظاهر أولًا من أن المراد بالنفاق نفاق المعصية لا نفاق الكفر، فعلى هذا الذي خرج هو المؤمن الكامل، لا العاصي الذي يجوز إطلاق النفاق عليه مجازًا، لما دل عليه مجموع الأحاديث.
ثامنها: ما ادَّعاه بعضهم من أن فرضية الجماعة كانت في أول الإِسلام لأجل سد باب التخلف عن الصلاة على المنافقين، ثم نسخ، حكاه عياض. ويمكن أن يتقوى بثبوت نسخ الوعيد المذكور في حقهم، وهو التحريق بالنار، كما يأتي في الجهاد. وكذا ثبوت نسخ ما يتضمنه التحريق من جواز العقوبة بالمال، ويدل على النسخ الأحاديثُ الواردة في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ، كما يأتي في الباب الذي بعد هذا، لأن الأفضلية تقتضي الاشتراك في أصل الفضل، ومن لازم ذلك الجواز.
تاسعها: أن المراد بذلك الجمعة لا باقي الصلوات؛ لأن الجماعة فيها شرط صحة باتفاق، وقد مرت الأحاديث الواردة في تعيين الصلاة التي وقع التهديد بسببها، هل هي الجمعة، أو العشاء والفجر معًا؟ وقد اعتمد ابن خُزَيْمَةَ وغيره من القائلين بفرضية الجماعة حديث ابن أم مكتوم المتقدم. قالوا إنه دال على فرضية الجماعة في الصلوات كلها، ورجحوه بحديث الباب، وبالأحاديث الدالة على الرخصة في التخلف عن الجماعة، قالوا: لأن الرخصة لا تكون إلا عن واجب، وفيه نظر، ووراء ذلك أمر آخر ألزم به ابن دَقِيق العِيْد من يتمسك بالظاهر، ولا يتقيد بالمعنى. وهو أن الحديث ورد في صلاة معينة، فيدل على وجوب الجماعة فيها دون غيرها، وأشار للانفصال عنه بالتمسك بدلالة العموم، لكن نُوْزع في كون القول بما ذكر أولًا ظاهرية محضة، فإن قاعدة حمل المطلق