على المقيد تقتضيه، ولا يستلزم ذلك ترك اتباع المعنى؛ لأن غير العشاء والفجر مظنة الشغل بالتكسب وغيره، إلى آخر ما مرَّ بيانه.
ولمشروعية الجماعة حكم منها قيام نظام الألفة بين المصلين، ولذا شرعت المساجد في المحال ليحصل التعاهد باللقاء في أوقات الصلوات بين الجيران، ومنها قد يتعلم الجاهل من العالم ما يجهله من أحكامها، ومنها مراتب الناس متفاوتة في العبادة فتعم بركة الكامل على الناقص، فتكمل صلاة الجميع. وفي الحديث من الفوائد أيضًا تقديمُ الوعيد والتهديد على العقوبة، وسره أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزجر اكتفى به عن الأعلى من العقوبة عليه، وفيه جواز العقوبة بالمال، كذا استدل به كثير من القائلين بذلك من المالكية وغيرهم، وفيه نظر، لما مرَّ ولاحتمال أن التحريق من باب ما لا يتم الواجب إلا به، إذ الظاهر أن الباعث على ذلك أنهم كانوا يختفون في بيوتهم، فلا يتوصل إلى عقوبتهم إلا بتحريقها عليهم.
وفيه جواز أخذ أهل الجرائم على غِرة؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- هَمّ بذلك في الوقت الذي عهد منه فيه الاشتغال بالصلاة بالجماعة، فأرادوا أن يبغتهم في الوقت الذي يتحققون أنه لا يطرقهم فيه أحد، وفي السياق إشعار بأنه تقدم منه زجرهم عن التخلف بالقول حتى استحقوا التهديد بالفعل، وترجم عليه البُخَاري في كتاب الأشخاص والأحكام باب "إخراج أهل المعاصي والريب من البيوت بعد المعرفة" يريد أن من طلب منهم بحق فاختفى أو امتنع في بيته لددًا ومطلًا أخرج منه بكل طريق يتوصل إليه بها، كما أراد -صلى الله عليه وسلم- إخراج المتخلفين عن الصلاة بإلقاء النار عليهم في بيوتهم. واستدل به ابن العَرَبيّ وغيره على مشروعية قتل تارك الصلاة متهاونًا بها، ونوزع في ذلك.
ورواية أبي داود فيها أنهم كانوا يصلون في بيوتهم كما مرَّ، تعكر عليه، نعم يمكن الاستدلال منه بوجه آخر، وهو أنهم إذا استحقوا التحريق بترك صفة من صفات الصلاة خارجة عنها، سواء قلنا واجبة أو مندوبة، كان من تركها أصلًا رأسًا أحق بذلك لكن لا يلزم من التهديد بالتحريق حصول القتل، لا دائمًا ولا