الروايات تخصيصه بالأول، فعند الجوزقيّ من رواية حماد بن زيد "ففاضت عيناه من خشية الله" ونحوه في رواية البَيْهَقِيّ، وعند الحاكم عن أنس مرفوعًا "من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم القيامة" وذكر الرجال في هذا الحديث لا مفهوم له، فإن النساء يشتركن معهم فيما ذكر، إلا إن كان المراد بالإمام العادل الإمامة العظمى، وإلا فيمكن دخول المرأة، حيث تكون ذات عيال فتعدل فيهم، وتخرج خصلة ملازمة المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد، وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن، حتى الرجل الذي دعته المرأة، فإنه يتصور في امرأة دعاها مَلِك جميل مثلًا فامتنعت خوفًا من الله تعالى مع حاجتها، أو شاب جميل دعاه ملك إلى أن يزوجه ابنته مثلًا، فخشي أن يرتكب منه الفاحشة، فامتنع مع حاجته. وحكم الصوم كحكم الصدقة، إعلان الفريضة منه أفضل، وإخفاء النوافل أفضل، واختلف في السنن كالوتر وركعتي الفجر، هل إعلانهما أفضل أم كتمانهما؟ وفيه فضل ملازمة المسجد للصلاة مع الجماعة؛ لأن المسجد بيت الله وبيت كل تقي، وحقيق على المزور، إكرام الزائر، فكيف بأكرم الكرماء؟
وفيه فضيلة التحاب في الله، فإن الحب في الله، والبغض في الله تعالى، من الإيمان، وعند مالك من الفرائض. وروى ابن مسعود والبراء بن عازب مرفوعًا "أن ذلك من أوثق عُرى الإيمان" وروى ثابت عن أنس، رفعه "ما تحابَّ رجلان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حبًا لصاحبه" وروى أبو رزين قال قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا أبا رزين: إذا خلوت حرك لسانك بذكر الله، وأحب في الله، وأبغض في الله، فإن المسلم إذا زار في الله شيعه سبعون ألف ملك، يقولون: اللهم وصله فيك فصله. ومن فضل المتحابين في الله أن كل واحد منهما إذا دعا لأخيه بظهر الغيب، أمَّن المَلَكُ على دعائه" رواه أبو داود مرفوعًا، وفيه فضيلة من يخاف الله، قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (٤١)} [النازعات: ٤٠، ٤١]. وقال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)} [الرحمن: ٤٦].
وروى أبو معمر عن كعب الأحبار قال: إن في الجنة لدارا، درة فوق درة،