خبيب. وأخرجه البيهقيّ في الشعب بإسناد حسن في المتابعات، ووافق في قوله "تصدق بيمينه" وفي مسند أحمد بإسناد حسن عن أنس مرفوعًا "أن الملائكة قالت: رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال: نعم، الحديد، قالت: فهل أشد من الحديد؟ قال: نعم، النار. قالت: فهل أشد من النار؟ قال: نعم، الريح. قالت: فهل أشد من الريح؟ قال: نعم، ابن آدم، يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله". ثم إن المقصود من الحديث المبالغة في إخفاء الصدقة بحيث إن شماله مع قربها من يمينه، وتلازمها، لو تصور أنها تعلم لما علمت ما فعلت اليمين، لشدة إخفائها، فهو على هذا من مجاز التشبيه.
ويؤيده رواية حماد بن زيد عند الجوزقي "تصدق بصدقة كأنما أخفى يمينه عن شماله" ويحتمل أن يكون من مجاز الحذف، والتقدير: حتى لا يعلم ملك شماله، وأبعد من زعم أن المراد بشماله نفسه، وأنه من تسمية الكل باسم الجز، فإنه ينحل إلى أن نفسه لا تعلم ما تنفق نفسه. وقيل: هو من مجاز الحذف، والمراد بشماله من على شماله من الناس، كأنّه قال: مجاور شماله، وقيل المراد أنه لا يرائي بصدقته، فلا يكتبها كاتب الشمال. وحكى القرطبيّ أن معناه أن يتصدق على الضعيف المكتسب في صورة الشراء لترويج سلعته، أو رفع قيمتها واستحسنه، فإن أراد أن هذه الصورة مراد الحديث خاصة فغير صحيح، وإن أراد أنها من صور الصدقة المخفية فمسلم.
وقوله: ذكر الله، أي بقلبه من التذكر، أو بلسانه من الذكر. وقوله: خاليًا، من الخلو؛ لأنه يكون حينئذٍ أبعد من الرياء، والمراد خاليًا من الالتفات إلى غير الله تعالى، ولو كان في ملأ ويؤيده رواية البَيْهَقِيّ "ذكر الله بين يديه" ويؤيد الأول رواية ابن المبارك وحماد بن زيد "ذكر الله في خلاء" أي في موضع خال، وهو أصح. وقوله:"ففاضت عيناه" أي فاضت الدموع من عينيه، وأسند الفيض إلى العين مبالغة كأنها هي التي فاضت. قال القُرْطُبيّ: فيض العين بحسب حال الذاكر، ويحسب ما يكشف له، ففي حال أوصاف الجلال يكون البكاء خشية الله، وفي حال أوصاف الجمال يكون البكاء من الشوق. وقد جاء في بعض