من أكمل المراتب لكثرة الرغبة في مثلها وعسر تحصيلها، لاسيما وقد أغنت عن مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها.
وقوله: إني أخاف الله، زاد في رواية كريمة "رب العالمين" والظاهر أنه يقول ذلك بلسانه، إما ليزجرها عن الفاحشة، أو ليعتذر إليها. ويحتمل أن يقوله بقلبه، قاله عِيَاض. قال القُرْطبيّ: إنما يصدر ذلك عن شدة خوف من الله تعالى، ومتين تقوى وحياء. وقوله: تصدق أخفى، بلفظ الماضي جملة حالية بتقدير "قد" وفي رواية أحمد "تصدق فأخفى" وكذا للمصنف في الزكاة بلفظ "تصدق بصدقة .. فأخفاها" ومثله لمالك في الموطأ، فالظاهر أن راوي الأُولى حذف العاطف، وفي رواية الأصيلي "تصدق إخفاء" بكسر الهمزة ممدودًا على أنه مصدر، أو نعت لمصدر محذوف، ويحتمل أن يكون حالًا من الفاعل أي مختفيًا.
وقوله: بصدقة، نكّرها ليشمل كل ما يتصدق به من قليل أو كثير، وظاهره أيضًا يشمل المندوبة والمفروضة، لكن نقل النَّوويّ عن العلماء أن إظهار المفروضة أولى من إخفائها؛ لأنها من شعائر الإِسلام، وليقتدي به غيره. وقوله: حتى لا تعلمُ، بفتح الميم وضمها، نحو مرض حتى لا يرجونه، وسرت حتى تغيبُ الشمس. وقوله: شماله ما تنفق يمينه، شماله فاعل تعلم، هكذا وقع في معظم الروايات، ووقع في مسلم مقلوبًا "حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله" ووجه القلب هو أن السنة المعهودة في الصدقة إعطاؤها باليمين، وقد ترجم عليه البُخاريّ في الزكاة باب الصدقة باليمين، وهذا النوع الواقع في مسلم من أنواع علوم الحديث يسمّى بالمقلوب، وسماه بعضهم بالمعكوس، والأولى تسميته مقلوبًا، فيكون المقلوب تارة في الإسناد وتارة في المتن، كما قالوا في المدرج سواء. وقد أفرد ابن الصلاح المقلوب، ولكنه قصره على مقلوب الإسناد.
قال "في الفتح": لم نجد هذا الحديث من وجه من الوجوه إلا عن أبي هُرَيْرَةَ، إلا ما وقع عند مالك من التردد: هل هو عنه أو عن أبي سعيد كما مرَّ، ولم نجده عن أبي هُريرة إلا من رواية حفص، ولا عن حفص إلا من رواية