الملازمة للمسجد، واستمرار الكون فيه بالقلب، وإن عرض للمسجد عارض.
وقوله: تحابّا، بتشديد الباء، وأصله تحاببا، أي اشتركا في جنس المحبة، وأحب كل واحد منهما الآخر حقيقة، لا إظهارًا فقط. وفي رواية حماد بن زيد "ورجلان قال كل منهما للآخر أنا أحبك في الله، فصدرا على ذلك" وقوله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، في رواية الكُشْمِيْهَنيّ "اجتمعا عليه" وهي رواية مسلم، أي على الحب المذكور، والمراد أنهما داما على المحبة الدينية، ولم يقطعاها بعارض دنيوي، سواء اجتمعا حقيقة أم لا، حتى فرّق بينهما الموت. وفي الجمع للحميدي "اجتمعا على خير" قال في الفتح: ولم أر ذلك في شيء من نسخ الصحيحين، ولا غيرهما من المستخرجات، وإنما عدت هذه الخصلة واحدة، مع أن متعاطيها اثنان؛ لأن المحبة لا تتم إلا باثنين، أو لما كان المتحابان بمعنى واحد، كان عد أحدهما مغنيًا عن عد الآخر؛ لأن الغرض عد الخصال لا عد من اتصف بها.
وقوله: رجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، ولمسلم والمصنف في الحدود عن ابن المبارك "دعته امرأة" وكذا في رواية أحمد ببيان المحذوف هنا، والمَنْصِب بفتح الميم وكسر الصاد المهملة، الأصل أو الشرف. وفي رواية مالك "دعته ذات حسب" وهو يطلق على الأصل وعلى المال أيضًا. وقد وصفها بأكمل الأوصاف التي جرت العادة بمزيد الرغبة لمن تحصل فيه، وهو المنصب الذي يستلزمه الجاه، والمال مع الجمال، وقيل من يجتمع ذلك فيها من النساء، زاد ابن المبارك "إلى نفسها". وللبَيْهَقِي في الشُّعَب عن أبي هُرَيرة "فعرضت نفسها عليه" والظاهر أنها دعته إلى الفاحشة، وبه جزم القرْطبيّ، ولم يحك غيره، وقيل: يحتمل أن تكون دعته إلى التزويج بها فخاف أن يشتغل عن العبادة بالافتتان بها أو خاف أن لا يقوم بحقها، لشغله بالعبادة عن التكسب بما يليق بها، والأول أظهر، ويؤيده وجود الكناية في قوله "إلى نفسها"، ولو كان المراد التزويج لصرح به، ويقوّيه جدًا قوله في جوابها: إني أخاف الله، فإن خوف الله لا يحصل من التزويج الذي هو سنة المرسلين، والصبر عن الموصوفة بما ذكر