فهم أن هذه اللفظة تدل على أن الرجل قطع الصلاة ,لأنّ السلام يتحلل به من الصلاة، وسائر الروايات تدل على أنه قطع القدوة، ولم يخرج من الصلاة، بل استمر فيها منفردًا. قال الرافعيّ في شرح المسند في الكلام على رواية الشافعيّ عن ابن عُيَيْنَة في هذا الحديث "فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده" هذا يحتمل من جهة اللفظ أنه قطع الصلاة وتنحّى عن موضع صلاته، واستأنفها لنفسه لكنه، غير محمول عليه, لأن الفرض لا يقطع بعد الشروع فيه، ولهذا استدل به الشافعية على أن للمأموم أن يقطع القدوة، ويتم صلاته منفرداً، ونازع النَّوَوِي فقال: لا دلالة، فيه لأنه ليس فيه أنه فارقه وبنى على صلاته، بل في الرواية التي فيها أنه سلم دليلٌ على أنه قطع الصلاة من أصلها ثم استانفها، فيدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها لعذر.
ولم يقع في شيء من الطرق المتقدمة تسمية هذا الرجل، وجاء في روايات أخرى مختلفة تسميته يأتي في السند جلبها وتعريف من ذكر فيها، وجمع بعضهم بين الاختلاف الواقع فيها بأنهما قضيتان، وأيد ذلك بالاختلاف في الصلاة هل العشاء أو المغرب وبالاختلاف في السورة هل هي البقرة أو اقتربت، وبالاختلاف في عذر الرجل هل هو لأجل التطويل فقط، لكونه جاء من العمل وهو تعبان، أو لكونه أراد أن يسقي نخله إذ ذاك، أو لكونه خاف على الماء في النخل كما في حديث بُريدة، واستشكل هذا الجمع, لأنه لا يظن بمعاذ أنه صلى الله تعالى عليه وسلم يأمره بالتخفيف ثم يعود إلى التطويل، ويجاب عن ذلك باحتمال أن يكون قرأ أولًا بالبقرة، فلما نهاه قرأ اقتربت، وهي طويلة بالنسبة إلى السورة التي أمره يقرأ بها، كما يأتي. ويحتمل أن يكون النهي وقع أولًا لما يُخْشَى من تنفير بعض من يدخل في الإِسلام، ثم لما اطمأنت نفوسهم بالإسلام ظن أن المانع زال، فقرأ باقتربت لأنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب {والطور}[الطور: ١] فصادف صاحب الشغل.
وجمع النَّوَويّ باحتمال أن يكون قرأ في الأُولى بالبقرة، فانصرف رجل ثم قرأ اقتربت في الثانية، فانصرف آخر، وفي رواية أبي الزُّبَير عند مسلم "فانطلق رجل منا" وهذا يدل على أنه كان من بني سَلِمة، ويقوي رواية من سماه سليمًا الآتية.
وقوله: فكان معاذ ينال منه، وللمستملي تناول منه، وللكُشْمِيْهَنيّ "فكأنَّ" بهمزة ونون مشددة، معاذًا تناول منه، والأُولى تدل على كثرة ذلك منه، بخلاف الثانية، ومعنى ينال منه: يذكره بسوء, وقد فسره في رواية سَلِيم بن حَيّان ولفظه "فبلغ ذلك مُعاذًا فقال: إنه منافق" وكذا لأبي الزُّبير ولابن عُيَيْنَةَ فقالوا: أنافقت يا فلان؟ فقال: لا والله، لآتين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلأخبرنه. وكأنَّ معاذًا قال ذلك أولًا. ثم قاله أصحابه للرجل.
وقوله: فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، بيَّن ابن عُيَيْنَةُ في روايته، وكذا محارب وأبو الزُّبَير أنه الذي جاء فاشتكى من معاذ، وفي رواية النَّسائيّ "فقال معاذ: لئن أصبحت لأذكرن ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذكر