ذلك له، فأرسل إليه فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله، عملت على ناضح لي بالنهار، فجئت وقد أقيمت الصلاة فدخلت المسجد، فدخلت معه في الصلاة، فقرأ بسورة كذا وكذا، فانصرفت فصليت في ناحية المسجد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أفتانا يا معاذ، أفتانا يا معاذ".
وقوله فتّان فتّان فتّان ثلاث مرار، ويروى ثلاث مرات، وفتان مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي أنت، والتكرير للتأكيد، وفي رواية ابن عُيَيْنَة: أفتّانٌ أنت؟ بهمزة الاستفهام على سبيل الإنكار. وقوله: أو قال فاتنًا، شك من الراوي، وهو منصوب على أنه خبر كان المقدرة، أي يكون فاتنًا. وفي رواية أبي الزبير أتريد أن تكون فاتنًا؟ ولأحمد عن مُعاذ بن رِفاعة "يا مُعاذ لا تكن فاتنًا" ويأتي حديثه، وفي حديث أنس "لا تطول بهم".
ومعنى الفتنة هنا أن التطويل يكون محببًا لخروجهم من الصلاة، وللتكرة للصلاة في الجماعة، وروى البَيْهَقِيّ في الشعب بإسناد صحيح عن عمر قال: لا تبغِّضوا إلى الله عبادَه (١)، يكون أحدكم إماما فيطوِّل على القوم الصلاةَ حتى يُبِّغض إليهم ما هم فيه. وقال الداوديّ: يحتمل أن يريد بقوله فتّان أي معذّب, لأنه عذبهم بالتطويل، ومنه قوله تعالى:{إنَّ الذيْنَ فَتَنُوا المُؤمِنِيْنَ والمُؤْمِنَاتِ}[البروج: ١٠]، قيل: معناه عذبوهم.
وقوله: وأمره بسورتين من أوسط المفصل الأوسط، يحتمل أن يريد به المتوسط والسُّوَر التي مثل بها من قصار المتوسط، ويحتمل أن يريد به المعتدل، أي المناسب للحال من المفصل، قيل سمي المفصّل مفصلًا لكثرة الفصول فيه، وقيل لقلة المنسوخ فيه، واختلف في المراد به مع الاتفاق على أن منتهاه آخر القرآن، هل هو من أول الصّافات أو الجاثية أو القتال أو الفَتح أو الحُجُرات أو "ق" أو الصف أو تبارك أو سبح أو الضحى إلى آخر القرآن؟ أقوال، والراجح الحجرات كما هو المذهب عند المالكية، وذكر النَّووَيّ أنه هو الراجح، ونقل بعضهم أن المفصل الراجح أنه من سورة "ق" إلى آخر القرآن. ونقل المُحِبّ الطَّبَري قولًا شاذًا، أن المفصل جميع القرآن، وأما ما أخرجه الطَّحَاويّ عن زُرارة بن أبي أوفى قال: أقرأني أبو موسى كتاب عمر إليه: اقرأ في المغرب آخر المفصل، وآخر المفصل مِن {لم يكن}[البقرة: ١٩٦] إلى آخر القرآن، فليس تفسيرًا للمفصل بل لآخره، فدل على أنه أوله قبل ذلك، وعند المالكية طوال المفصل من "الحجرات" إلى "عَبَس"، ومن "عَبَس" إلى "والضحى" وسط، ومن "والضحى" إلى آخر القرآن قِصار.
وقال القَسْطَلَانِيّ: طواله من أوله على الأقوال المتقدمة إلى سورة عم، وأوساطه إلى الضحى، أو طواله إلى الصف وأوساطه إلى الانشقاق، والقصار إلى آخره. وفي العَيْنيّ: طوال المفصل من الحجرات إلى {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ}[البروج: ١] قصاره من الضحى إلى آخر القرآن.
وقوله: قال عمرو لا أحفظهما، كأنه قال ذلك في حال تحديثه لشُعبة، وإلا ففي رواية سليم بن حيان عن عمر "واقرأ والشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى ونحوها" وقال في رواية