للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "شهادة أن لا إله إلا الله" وما بعدها مخفوض على البدل من خمس، ويجوز الرفع على حذف الخبر، والتقدير: منها شهادة أن لا إله إلا الله، أو على حذف المبتدأ، والتقدير: أحَدُها شهادة أن لا إله إلا الله، وإنما لم يذكر الإِيمان بالأنبياء والملائكة وغير ذلك مما تضمنه سؤال جبريل عليه السلام، لأن المراد بالشهادة تصديق الرسول فيما جاء به، فيستلزم جميع ما ذكر من المُعْتَقَدات، وقال الإسماعيليُّ ما محصله: هُو من باب تسمية الشيء ببعضه، كما تقول: قرأتُ الحمدَ، وتريد جميعَ الفاتحة، وكذا تقول: شهدت برسالة محمدٍ، وتريد جميع ما ذكر. واشترط البَاقِلَّانيُّ في صحة الإِسلام تقدم الإِقرار بالتوحيد على الرسالة، ولم يُتابع مع أنه إذا دُقِّق بَانَ وجهُهُ، ويزداد اتجاهًا إذا فرقهما.

و"لا" في قوله: لا إله، هي النافية للجنس، و"إله" اسمها مركبٌ معها تركيب مزج كأحدَ عشر، وفتحته فتحة بناء، وعند الزَّجاج فتحة إعراب، لأنه عنده منصوب بها لفظًا، وخبرها محذوفٌ تقديره موجودٌ، و"إلا" حرف استثناء، والاسم الكريم مرفوعٌ على البدل من الضمير المستتر في الخبر، وقيل: مرفوع على الخبرية لقوله: "لا" وعليه جماعةٌ، وهذا التركيب عند علماء المعاني والأصول يفيد القَصْر، وهو من باب قصر الصفة على الموصوف لا العكس، فإن إله في معنى الوصف، واختلف البيانيون والأصوليون في المنطوق والمفهوم في هذا التركيب، فعند البيانيين المنطوق هو إثبات الإِلهية لله تعالى، والمفهوم نفيها عن غيره، وعند الأصوليين المنطوق هو نفيُها، والمفهوم هو إثباتها، وعلى مذهبهم قالوا: كيف يُقال في لا إله إلا الله: إنَّ دِلالتها على إثبات الألوهية لله تعالى بالمَفْهوم؟ وأجاب زَكَرِيَّا: بأنه لا بُعد فيه، لأن القصد أولًا وبالذات ردُّ ما خالَفَنا فيه المشركونَ، لا إثبات ما وافَقُونا عليه، فكان المناسب للأول المنطوق، وللثاني المفهوم، وإنما قُدِّم النفي على الإِثبات، فقيل: لا إله إلا الله، ولم يقل: الله لا إله إلا هو، لأنه إذا نفى أَن يكون ثَمَّ إله غير الله، فقد فَرَّغَ قلبَه مما سوى الله بلسانه، ليُواطِىءَ القلب وليس مشغولًا

<<  <  ج: ص:  >  >>