للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لثبوت ذلك صريحًا في الأحاديث. وذكر أن بعض أصحابهم احتج على ترك الخطبة بأنه لم ينقل في الحديث أنه صعد المنبر، ثم زيفه بأن المنبر ليس شرطًا، ثم لا يلزم من أنه لم يذكر أنه لم يقع.

قلت: الجواب الحق عن مالك في تركه الخطبة بعد صلاة الكسوف وجعله بدل الخطبة وعظًا غير منظّم على هيئة الخطبة مع روايته لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها المصرّح فيه بلفظ الخطبة هو: أنه لما رأى جماعة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم علي والنعمان بن بشير وابن عبّاس وأبو هريرة وغيرهم نقلوا صفة صلاة الكسوف ولم يذكر أحد منهم أنه عليه الصلاة والسلام خطب فيها، ولا يجوز أن يكون خطب وأغفل هؤلاء كلّهم ذلك مع نقل كل واحد منهم ما تعلق بتلك الحال، مع أنه لم ينقل عن عائشة ولا غيرها صفة لها كخطبة الجمعة والعيدين كما مرّ، فوجب حمل تسمية عائشة رضي الله تعالى عنها لها خطبة أو غيرها ممن نقل عنه ذلك على المجاز لكونه أتى بكلام منظوم فيه حمد الله والصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على طريق الخطبة، فلذلك سمّتها خطبة.

ولعلّ مالكًا أدرك عمل المدنية على ما ذكر من الوعظ، فحمل الخطبة المذكورة في الحديث الذي روي على ذلك، وعمل أهل المدنية عنده كما مرَّ كالمتواتر. واستدل بقوله: فخطب بعد قوله. وقد تجلّت من قال بالخطبة على أن الانجلاء لا يسقط الخطبة بخلاف انجلت قبل أن يشرع في الصلاة، فإنه يسقط الصلاة والخطبة.

وقد مرّ حكم ما إذا انجلت في أثنائها عند المالكية. وظاهر كلام صاحب الفتح أنه يتمّها عندهم على الهيئة المذكورة.

وقوله: آيتان من آيات الله أي: علامتان من آيات الله الدالة على وحدانية الله وعظيم قدرته أو على تخويف العباد من بأس الله وسطوته، ويؤيده قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} وقد قال في الرواية المتقدمة: يخوّفُ الله بهما عباده. وفي قوله يخوّف الله بهما عباده ردٌ على من زعم من أهل الهيئة أن الكسوف أمر عادي لا يتأخر ولا يتقدم، إذ لو كان كما يقولون لم يكن في ذلك تخويف ويصير بمنزلة الجزر والمدّ في البحر.

وقد ردّ ذلك عليهم ابن العربي وغيره من أهل العلم بما في حديث أبي موسى الآتي في الكسوف حيث قال: فقام فزعًا يخشى أن تكون الساعة. قالوا: فلو كان الكسوف بالحساب لم يقع الفزع، ولو كان بالحساب لم يكن للأمر بالعتق والصدقة والصلاة والذكر معنى، فإن ظاهر الأحاديث أن ذلك يفيد التخويف، وأن كل ما ذكر من أنواع الطاعة يرجى أن يدفع به ما يخشى من أثر ذلك الكسوف.

وممّا نقض ابن العربي وغيره أنهم يزعمون أن الشمس لا تنكسف على الحقيقة، وإنما يجول القمر بينهما وبين أهل الأرض عند اجتماعهما في العقدتين. فقال: هم يزعمون أن الشمس أضعاف القمر في الجرم، فكيف يحجب الصغير الكبير إذا قابله أم كيف يظلم الكثير بالقليل ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>