للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشمس على عهد رسول -صلى الله عليه وسلم- فخرج فزعًا يجر ثوبه حتّى أتى المسجد، فلم يزل يصلّي حتى انجلت، فلمّا انجلت قال: إن الناس يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء، وليس كذلك. الحديث.

واستشكل قوله: ولا لحياته بأن السياق إنما ورد في حقّ من ظنّ ذلك لموت إبراهيم ولم يذكروا الحياة. والجواب أن فائدة ذكر الحياة دفع توهّم من يقول لا يلزم من نفي كونه سببًا للفقد أن لا يكون سببًا للإيجاد، فعمّم الشارع النفي لدفع هذا التوهم. وفي هذا الحديث إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض. وهو كقوله الآتي في الاستسقاء. يقولون مطرنا بنوء كذا.

قال الخطابي: كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغيّر في الأرض من موت أو ضرر، فأعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه اعتقاد باطل، وأن الشمس والقمر خلقان مسخّران لله ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما. وفيه ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الشفقة على أمّته وشدة الخوف من ربّه.

وقوله: فقوموا فصلّوا استدل به على أنه لا وقت لصلاة الكسوف معين؛ لأن الصلاة علّقت برؤيته، وهي ممكنة في كل وقت من النهار، وبهذا قال الشافعي ومن تبعه، ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد أنها لا تصلّى في أوقات الكراهة، وابتداؤها عندهم من حل النفل وآخرها عند مالك الزوال. وإذا طلعت مكسوفة لا يصلّى حتى يدخل وقت الجواز.

واحتجت الشافعية بأن المقصود لإيقاع هذه العبادة قبل الانجلاء. وقد اتفقوا على أنها لا تقضى بعد الانجلاء، فلو انحصرت في وقت لأمكن الانجلاء قبله فيفوت المقصود.

واعترفوا بأنه عليه الصلاة والسلام لم يصلّها إلاَّ ضحى ولكن قالوا: إن ذلك وقع اتفاقًا ولا يدل على منع ما عداه، واحتج الباقون بما رواه ابن عبد البر في الاستنكار عن الليث بن سعد قال: حججت سنة ثلاث عشرة ومائة، وعلى الموسم سليمان بن هشام، وبمكة شرّفها الله تعالى عطاء بن أبي رباح، وابن شهاب، وابن أبي مليكة، وعكرمة بن خالد، وعمرو بن شعيب، وأيوب بن موسى، وكسفت الشمس بعد فقاموا قيامًا يدعون الله في المسجد فقلت لأيوب: مالهم لا يصلّون؟! فقال: النهي قد جاء عن الصلاة بعد العصر، فلذلك لا يصلّون، إنّما يذكرون حتى تنجلي الشمس.

وقال إسحاق: يصلّون بعد العصر ما لم تصفرّ الشمس، وبعد صلاة الصبح، ولا يصلّون في الأوقات الثلاثة، فلو كسفت عند الغروب لم يصلّ إجماعًا. وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم من المبادرة بالصلاة. وسائر ما ذكر عند الكسوف من صدقة وذكر وعتق وفيه تقديم الإِمام في الموقف وتعديل الصفوف والتكبير بعد الوقوف في موضع الصلاة والرد على من زعم أن للكواكب

<<  <  ج: ص:  >  >>