صح له الدليل. وذكر هنا في هذا التعليق صورتين إحداهما أن يقرأ سورة واحده في ركعتين بأن يفرِّق السورة فيهما والثانية أن يكرر سورة واحده في ركعتين بأن يقرأ في الركعة الثانية السورة التي قرأ في الأولى أما الصورة الأولى فلما روى النسائي عن عائشة رضي اله تعالى عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ في المغرب بسورة الأعراف فرقها في ركعتين وروى ابن أبى شيبة عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ في المغرب بالأعراف في ركعتين وعن أبى بكر رضي الله تعالى عنه أنه قرأ بالبقرة في الفجر في الركعتين وقرأ عمر رضي الله تعالى عنه في الركعتين الأوليين من العشاء قطعهما فيهما، وأما الصورة الثانية فلما روى أبو داود عن معاذ بن عبد الله الجهني أن رجلًا من جهينة أخبره أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الصبح إذا زلزلت في الركعتين كلتيهما فلا أدري أنسي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أم قرأ ذلك عمدًا، قال ابن المنير: ذهب مالك إلى أن يقرأ المصلي في كل ركعة بسورة كما قال ابن عمر لكل سورة حظها من الركوع والسجود قال: ولا تقسم السورة في ركعتين ولا يقتصر على بعضها ويترك البعض ولا يقرأ بسورة قبل سورة يخالف ترتيب المصحف قال: فإن فعل ذلك كله لم تفسد صلاته بل هو خلاف الأولى قال: وجميع ما استدل به البخاري لا يخالف ما قال مالك لأنه محمول على بيان الجواز وقد مرّ عند التعليق الأول من هذا الباب ما استدل به على كراهة تفريق السورة بين ركعتين.
قال ابن المنير: والذي يظهر أن التكرير أخف من قسم السورة في ركعتين، وقال في "الفتح": نقل البيهقي في مناقب الشافعي عنه أن ذلك أي: الجمع بين سورتين مستحب وما عدا ذلك مما ذكر أنه خلاف الأولى هو مذهب الشافعي أيضًا وقالت الحنفية: إذا كرر سورة في ركعتين لا يكره، وقيل يكره، وفي "المبسوط" لا ينبغي أن يفعل وإن فعل فلا بأس به والأفضل أن يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة كاملة في المكتوية. وقد قال الشعبي وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وأبو العالية رفيع بن مهران: أنه لا ينبغي للرجل أن يزيد في كل ركعة من صلاته على سورة مع فاتحة الكتاب، واحتج القائلون بالكراهة بما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن لبيبة قال: قلت لابن عمر: أو قيل لابن عمر: إني قرأت المفصل في ركعة قال: أفعلتموها إن الله تعالى لو شاء لأنزله جملة واحدة فأعطوا كل سورة حظها من الركوع والسجود.
وأخرجه الطحاوي أيضًا عن ابن لبيبة ولفظه: إن الله تبارك وتعالى لو شاء لأنزله جملة واحدة ولكن فصّله ليعطى كل سورة حظها من الركوع والسجود وأجيب عن هذا بأن حديث الرجل الأنصاري وحديث ابن مسعود الآتيين قريبًا وحديث عائشة وحذيفة نخالف هذا وإذا ثبتت المخالفة يصار إلى أحاديث هؤلاء لقوتها واستقامة طرقها. أما حديث عائشة فرواه الطحاوي عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرن السورة؟ قالت: المفصل أي: نعم يقرن المفصل. وأخرجه ابن أبي شيبة أيضًا في مصنفه. وأما حديث حذيفة أخرجه النسائي عن صلة بن زفر عن حذيفة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة واحدة الحديث. وأخرجه الطحاوي وقد مرَّ قتادة في السادس من الإيمان.