أمَّن الإِمام فقال معناه: دعا. قال: وتسمية الداعي مؤمنًا سائغًا لأن المؤمن يسمى داعيًا جاء في قوله تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} وكان موسى داعيًا وهارون مؤمنًا كما رواه ابن مردويه عن أنس وتعقب بعدم الملازمة، فلا يلزم من تسمية المؤمن داعيًا عكسه. قاله ابن عبد البر قلت: كيف يعقل هذا مع ما مرَّ عن عطاء من أن آمين دعاء وأجيب عن هذا بأن الحديث على تقدير صحته فإطلاق كون هارون داعيًا إنما هو للتغليب، وقال بعضهم: معنى قوله: إذا أمَّن بلغ موضع التأمين كما يقال أنجد إذا بلغ نجدًا وإن لم يدخلها.
قال ابن العربي هذا بعيد لغة وشرعًا قلت: لم أدر ما قال فإن كونه سائغ لغة هو قول العرب: أنجد وكونه سائغ شرعًا هو العمل على المجاز ليوافق الحديث الآتي قريبًا. وقد قال ابن دقيق العيد: هذا مجاز، فإن وجد دليل يرجحه عمل به، وإلا فالأصل عدمه، والدليل هو رواية أبي صالح عن أبي هريرة الآتية بعد باب بلفظ إذا قال الإِمام: ولا الضالين فقولوا: آمين، فالجمع بين الروايتين يقتضي حمل قوله: إذا أمَّن على المجاز وأجاب الجمهور على تسليم المجاز المذكور بأن المراد بقوله: إذا أمَّن أي: أراد التأمين ليتوافق تأمين الإِمام والمأموم معًا. ولا يلزم من ذلك أن لا يقولها الإِمام، وقد ورد التصريح بأن الإِمام يقولها في رواية معمر عن ابن شهاب في هذا الحديث بلفظ: إذا قال الإِمام: "ولا الضالين" فقولوا آمين، فإن الملائكة تقول: آمين، وإن الإِمام يقول: آمين. الحديث أخرجه أبو داود والنَّسائيّ، والسراج، وهو صريح في كون الإِمام يؤمن وهذا غير وارد علينا. معاشر المالكية لأنّا قائلون بأن الإِمام يؤمّن في السرية وليس في هذا تصريح بالجهرية، وقيل في الجمع بينهما أن المراد بقوله:"إذا قال: "ولا الضالين" فقولوا: آمين، أي: ولو لم يقل الإِمام آمين. وقيل يؤخذ من الخبرين تخيير المأموم في قولها مع الإِمام، أو بعده. وقيل الأول لمن قرب من الإِمام، والثاني لمن تباعد عنه لأن جهر الإِمام بالتأمين أخفض من جهره بالقراءة، فقد يسمع قراءته من لا يسمع تأمينه فمن سمع تامينه أمَّن معه وإلا يؤمن إذا سمعه يقول: "ولا الضالين" لأنه وقت تأمينه وهذه الوجوه كلها محتملة، وليست بدون الوجه الذي ذكرناه، وقد قال ابن شهاب: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: آمين كأنه استشعر التأويل المذكور، فبين أن المراد بقوله: إذا أمَّن حقيقة التأمين قال في "الفتح": وهو وإن كان مرسلًا فقد اعتضد بصنيع أبي هريرة راويه كما يأتي بعد باب. قلت: ليس في الحديث المذكور دلالة على ما قال. قال: وإذا ترجح أن الإِمام يؤمن فيجهر به في الجهرية كما ترجم به المؤلف فيما يأتي عنه قريبًا، وهو قول الجمهور خلافًا للكوفيين أبي حنيفة وغيره، ورواية عن مالك، وهي المشهورة في أنه يسر به مطلقًا.
وذهب الشافعي في القديم إلى أن الجهر للمأموم، وعليه الفتوى، وقال الرافعي: قال الأكثر: في المسألة قولان أصحهما أنه يجهر، ووجه الدلالة عند القائلين بالجهر من الحديث أنه لو لم يكن التأمين مسموعًا للمأموم لم يعلم به، وقد علق تأمينه بتأمينه. وأجابوا بأن موضعه معلوم فلا يستلزم الجهر به، وفيه نظر لاحتمال أن يخل به فلا يستلزم علم المأموم به، وقد روى روح بن عبادة عن