مالك في هذا الحديث عن ابن شهاب قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قال:"ولا الضالين" جهر بآمين.
أخرجه السراج ولابن حِبّان عن الزبيدي عن ابن شهاب في حديث الباب كان إذا فرغ من قراءة أُم القرآن رفع صوته وقال: آمين. وللحميدي عن أبي هريرة نحوه بلفظ إذا قال:"ولا الضالين" ولأبي داود عن أبي هريرة مثله، وزاد حتى يسمع من يليه من الصف الأول، ولأبي داود وصححه ابن حِبّان عن وائل بن حجر صليت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجهر بآمين، وفيه رد على مَنْ أومأ إلى النسخ فقال: إنما كان -صلى الله عليه وسلم- يجهر بالتأمين في ابتداء الإِسلام ليعلمهم، فإن وائل بن حُجْر إنما أسلم في أواخر الأمر واستدل القائلون بالإسرار بقوله تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} مع ما مرّ عن عطاء وابن مردويه من أن التأمين دعاء فتتركب قضيته من الشكل الأول التأمين دعاء، والدعاء يسر به ينتج التأمين يسر به، دليل الصغرى ما روي عن عطاء وغيره، ودليل الكبرى الآية، والآية قطعية الدلالة فتقدم على غيرها.
واستدلوا بما رواه أحمد وأبو داود الطيالسي وأبو يعلى والطبراني والدارقطني في سننه، والحاكم في مستدركه عن وائل بن حجر مما يخالف ما مرّ عنه من رواية شعبة ففي هذه الرواية أنه صلّى مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما بلغ "ولا الضالين" قال: آمين وأخفى بها صوته. قال بعض العلماء: الصواب أن الخبرين بالجهر بها وبالمخافتة صحيحان، وعمل بكل منهما جماعة من العلماء، واحتجوا أيضًا بما رواه محمد بن الحسن في كتاب الآثار عن إبراهيم النخعي قال: أربع يخفيهن الإِمام التعوذ وبسم الله الرحمن الرحيم وسبحانك اللهم وآمين. ورواه عبد الرزاق في مصنفه إلا أنه قال: عوض قوله سبحانك اللهم. اللهم ربنا لك الحمد، وبما رواه الطبراني في تهذيب الآثار عن أبي وائل قال: لم يكن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما يجهران ببسم الله الرحمن الرحيم ولا بآمين وقوله: "فأمنوا" استدل به بعض على تأخير تأمين المأموم عن تأمين الإِمام؛ لأنه رتب عليه بالفاء لكن مرّ في الجمع بين الروايتين عند معارضة المالكية أن المراد المقارنة وبذلك قال الجمهور. وقال أبو محمد الجويني: لا تستحب مقارنة الإِمام في شيء من الصلاة غيره قال إمام الحرمين: يمكن تعليله بأن التأمين لقراءة الإِمام لا لتأمينه فلذلك لا يتأخر عنه وهو واضح. وظاهر قوله: إذا أمَّن الإِمام فأمنوا إن المأموم إنما يؤمن إذا أمن الإِمام لا إذا ترك. وبه قال بعض الشافعية، وهو مقتضى إطلاق الرافعي الخلاف، وادعى النووي الاتفاق على خلافه، ونص الشافعي في "الأم" على أن المأموم يؤمن ولو ترك الإِمام عمدًا أو سهوًا، والمستحب الاقتصار على التأمين عقب الفاتحة من غير زيادة عليه اتباعًا للحديث.
وأما ما رواه البيهقي عن وائل بن حجر أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال:"ولا الضالين" قال رب اغفر لي آمين فإن في إسناده أبا بكر النهشلي، وهو ضعيف، وقال الإِمام الشافعي في "الأم" فإن قال: آمين رب العالمين كان حسنًا ونقله النووي في "زوائد الروضة".